مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


08/10/2022 القراءات: 872   الملف المرفق


في كل شهر ربيع الأول من السنة الهجرية تبدأ النقاشات المتبادلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفيما بين الناس، بين مجيز للاحتفال، ومانع منه، وكل واحد من الطرفين يأتي بالأدلة التي يرى أنها تؤيد رأيه.
ولفهم المسألة واضحاً بكل بساطة؛ هو أن الدليل يطلب للأصل ولا يطلب للأثر، لأن الأثر يتبع الأصل دائماً في الجواز والمنع.
فتعظيم المصحف أصل، يمكن للإنسان أن يطلب الدليل على تعظيمه، ولكن هذا التعظيم له آثار متفاوتة بين الناس على حسب انفعالهم مع الأصل، فتقبيل المصحف مثلاً أو تجليده، هذه آثار الأصل وهو التعظيم للقرآن الكريم لا يحتاج إلى دليل.
وكذلك بر الوالدين أصل، يمكن طلب الدليل عليه، ولكن هناك آثار لبر الوالدين يفعلها الناس دون دليل كتقبيل أيديهما أو رأسهما، وهو لا يحتاج لدليل، لأنهما آثار للأصل.
وتعظيم الكعبة أصل، ولكن لا دليل على تبديل كسوة الكعبة أو غسلها، واعتياد ذلك في كل عام، لأنها آثار للأصل الثابت.
وكذلك تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أصل ثابت في القرآن الكريم، قال الله تعالى: {لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: 9].
ومن آثار هذا التعظيم والتوقير للرسول صلى الله عليه وسلم الاحتفال بمولده، وكل أحد من الناس يحتفل بطريقته، فمنهم من يحتفل بقراءة سيرته، ومنهم من يحتفل بالإنفاق والتوسعة على العيال، ومنهم من يوزع الحلوى، ومنهم من ينشد ويظهر الفرح به، وكل ذلك من آثار التعظيم لسيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا يحتاج الأمر إلى دليل.
ثم علينا أن نعلم أنه ليس شرطاً أن يكون فعلاً فعله الصحابة والسلف الصالح، بل شرطها الوحيد ألا تخالف أصول الإسلام، إذ كل من يخالف بفعله أصلاً من أصول الإسلام فنحن جميعاً نبرأ إلى الله تعالى منه.
ومن جميل ما قرأت لأحد الأفاضل أنه يجب علينا أن لا نضيع أعمارنا في الإجابات الخاطئة، بل نشتغل في تقرير الإجابة الصحيحة:
1+1= 2 فقط.
أما إضاعة أعمارنا في عدّ الإجابات الخاطئة والتي لا تنتهي مثل:
1+1 لا يساوي 3
1+1 لا يساوي 4
1+1 لا يساوي 5 وهكذا.. فكل ذلك تضييع للجهد والوقت بلا فائدة ولا جدوى منه.
أيها الأحبة: كفانا نقاشاً وحواراً حول المسألة التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من ضعف وتفرق وتشرذم وضياع وشتات، وقد أضحت هذه المناكفات توغر الصدور وتمزق وحدة الأمة التي أمر الله تعالى بها فقال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103].
وأخيراً: رحم الله تعالى أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال:
وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ
وَفَـمُ الـزَمـــانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَــنــاءُ
الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ
لِـلـديــنِ وَالـدُنـيـا بِــهِ بُـشَــراءُ


وُلِـدَ الـهُـدى، المولد، ضياء، الأصل، الآثار


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع