مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


🔻 غزوة الأحزاب ( الخندق) (2)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


11/03/2023 القراءات: 308  


فحمي عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه ثم اقبل علي رضي الله عنه فتنازلا وتجاولا فقتله علي رضي الله عنه، وانهزم الباقون حتى اقتحموا الخندق هاربين، وقد بلغ بهم الرعب إلى أن ترك عكرمة رمحه وهو منهزم عن عمرو‏.‏

وقد حاول المشركون في بعض الأيام محاولة بليغة لاقتحام الخندق، أو لبناء الطرق فيها، ولكن المسلمين كافحوا مكافحة مجيدة، ورشقوهم بالنبل، وناضلوهم أشد النضال حتى فشل المشركون في محاولتهم‏ ، ولأجل الاشتغال بمثل هذه المكافحة الشديدة فات بعض الصلوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين

ففي الصحيحين عن جابر رضي الله عنه‏:‏ أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق، فجعل يسب كفار قريش‏.‏ فقال‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‌‏(‏وأنا والله ما صليتها‏)‏
فنزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بُطْحَان، فتوضأ للصلاة، وتوضأنا لها، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلي بعدها المغرب‏.‏

وقد استاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لفوات هذه الصلاة حتى دعا على المشركين، ففي البخاري عن على رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الخندق‏:‏ ‌‏(‏ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم ناراً، كما شغلونا عن الصلاة الوسطي حتى غابت الشمس‏)‌‏.‏في هذه الآونة العصيبة جاءت الأخبار أن يهود بني قريظة نقضوا معاهدتهم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم _ وانضموا إلى كتائب الأحزاب التي تحدق بالمدينة وكان بين المسلمين وبين يهود بني قريظة عقد وعهد

فحملهم حي بن اخطب سيد يهود بني النضير واحد النفر الذين حرضوا قريشا وسائر العرب علي حرب الإسلام علي نقض العهد وزين لهم ذلك ، وقد فعل ذلك كعب بن أسد سيد قريظة بعد امتناع وتردد ، وأعطاهم حيي ميثاقا : لئن رجعت قريش وغطفان ، ولم يصيبوا محمدا لأدخلن معكم في حصنكم ،حتى يصيبني ما أصابكم

نقض كعب بن أسد عهده ، وبرىء مما كان بينه وبين المسلمين ودخل مع المشركين في المحاربة ضد المسلمين ، وانتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبادر إلى التحقق منه فأرسل الزبير بن العوام رضي الله عنه إلى بنى قريظة للاستطلاع ،فلما رجع قال له :" إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير "


ثم أرسل سعد بن معاذ سيد الأوس وسعد بن عبادة سيد الخزرج ومعهما عبد الله بن رواحة رضي الله عنهم جميعا ، ليستوضحوا الخبر فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم علي اخبث ما يكون ، فقد جاهروهم بالسب والعداوة ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقالوا : من رسول الله ؟ لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد


واقبل الوفد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم واخبروه بغدر اليهود ، وتحقق الرسول صلى الله عليه وسلم من مؤمراة اليهود وغدرهم ، فقال : " الله أكبر ، أبشروا يامعشر المسلمين بفتح الله ونصره "
وشاع الخبر بين المسلمين ، واشتد الخطب عليهم وخافوا على نسائهم وأطفالهم من بني قريظة ، وكان هذا الموقف من أحرج المواقف التى مرت بالمسلمين ، فقد كانت ديار بني قريظة في الجنوب الشرقي للمدينة ، ولم يكن يحول بينهم وبين المسلمين شئ يمنعهم من ضربهم من الخلف ، وكان المسلمين في نفس الوقت يواجهون جيش كثيف من أمامهم لا يستطيعون الانصراف عنه ، وكانت نسائهم وذراريهم بمقربة من بني قريظة هؤلاء الغادرين في غير منعة وحفظ

وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف ، وصاروا كما قال الله تعالى:{إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَ * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا}سورة الأحزاب، الآيات 10-11


وفعلاً قامت يهود بني قريظة بعمليات الحرب‏ ، فقد كانت صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في حصن حسان بن ثابت مع النساء والذراري ، ووجدت رجل من اليهود ، يطوف بالحصن، ولم يكن معهم أحد يدافع عنهم ، فخافت أن يعلم اليهودي انه ليس هناك أحد بالحصن إلا النساء والذراري ويخبر يهود بني قريظة بذلك ، فأخذت عموداً، ثم نزلت من الحصن إليه، فضربته بالعمود حتى قتلته


وقد كان لهذا الفعل المجيد من عمة الرسول صلى الله عليه وسلم أثر عميق في حفظ ذراري المسلمين ونسائهم، ويبدو أن اليهود ظنوا أن هذه الحصون في منعة من الجيش الإسلامي ـ مع أنها كانت خالية عنهم تماماً ـ فلم يجترئوا مرة ثانية للقيام بمثل هذا العمل، إلا أنهم أخذوا يمدون الأحزاب بالمؤن، كدليل عملي على انضمامهم إليهم ضد المسلمين

وزاد من خطورة الموقف خوف الرسول صلى الله عليه وسلم من أن يغتنم هذه الفرصة زعيم المنافقين عبد الله بن أبي ذلك المنافق الذي انسحب يوم أحد بثلث الناس من صفوف المسلمين، لاسيما وقد ظهرت بوادر النفاق من بعضهم حتى لقد قال أحدهم "كان محمد يعدنا كنوز كسري وقيصر و أحدنا اليوم لا يأمن علي نفسه أن يذهب إلى الغائط"


‏وقال آخرون :‏ إن بيوتنا عورة من العدو، فائذن لنا أن نخرج، فنرجع إلى دارنا فإنها خارج المدينة‏، وفي هؤلاء أنزل الله تعالي‏:‏ ‏{‏وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 12، 13‏]‌‏.‏

لكل هذا هم رسول الله صلى الله عليه و سلم بعقد الصلح بينه وبين غطفان علي أن يعطيهم ثلث ثمار المدينة وينصرفوا عن المدينة ليخفف الحصار عن المدينة ويخذل الأحزاب ، وقد عدل الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك بعد استشارة سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما فقالا له: يا رسول الله أمرا تحبه فنصنعه أم شيئا أمرك الله به لابد لنا من العمل به أم شيئا تصنعه لنا ؟
يتبع.


🔻 غزوة الأحزاب ( الخندق) (2)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع