مدونة سيف بن سعيد العزري


هل يجوز فتح نوافذ مطلّة على فناء بيت الجار؟.

سيف بن سعيد العزري | SAIF BIN SAID ALAZRI


13/07/2023 القراءات: 1224   الملف المرفق


عُرضت عليّ دعوى مدنية في إحدى المحاكم بسلطنة عمان، فحواها طلب المدعيين بغلق النوافذ المطلة على منزليهما، على سند من أنّ المدعى عليه أقام بناء يتكون من طابقين وطابق السطح مع وجود نوافذ كبيرة باتجاه منازلهم، وبعض الغرف بها نافذتان، مما يسبب الكشف على منازلهم، والمضايقات مستقبلاً لهم ولأهلهم، وهذا البناء عبارة عن شقق للإيجار، فكان الحكم بفضل الله تعالى نتاجَ بحث حولَ هل يعدُّ وجود النوافذ المطلّة على فناء بيت الجار مخالفةً شرعية ويلحق بالجار ضرراً يجب إزالتُه أم لا؟، وخلصتُ فيه إلى أنّ ذلك وفق نظامِ البناء المعاصر لا تكون فيه مخالفة شرعية، وإن كان هناك ضرر فإزالته تكون على من تسبّب في وجود الضرر، وهو مَن أخرج حرماتِه إلى فناء بيته، وذلك بأن يقيمَ سواترَ ونحوِ ذلك، وقد ورد في الحكم "من المقرّر شرعاً أنّ المالك له أن يتصرف في ملكه بما يشاء بشرط أن يكون التصرف جائزاً شرعاً وأن لا يلحق الضرر بغيره، إعمالاً للقاعدة الشرعية فيما يتعلق بالشرط الثاني "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام"، وعلى نحو هذا جرى قانون المعاملات المدنية، فقد نصّت المادة (798) على أنّ "حق الملكية هو سلطة المالك في أن يستعمل الشيء المملوك له وأن يستغله وأن يتصرف فيه بجميع التصرفات الجائزة شرعاً"، وجاءت المادة (803/1) مقيّدة تلك السلطة بعدم إلحاق الضرر بالغير فنصّت على أنّه "إذا أحدث المالك في استعماله لملكه ضرراً لغيره كان للمضرور أن يطلب إزالة الضرر مع حقه في التعويض إن كان له مقتضى"، ومؤدّى ذلك كلّه مراعاة مدى توافر الضرر بالغير في هذا المحدَث إذا كان الحدث في ملك المحدِث، ومن الثابت شرعاً أنّ للبيوت حرماتٍ حرصت الشريعة الإسلامية على صونها، فأوجبت الاستئذات حفاظاً على هذه الحرمة، حيث يقول سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) النور/27، ومن المعلوم شرعاً أنّ العلماء السابقين اختلفوا في الجار يفتح على جاره نافذة تشرف على بيت جاره، فقيل: يمنع، وقيل: لا يمنع، وألزم بعضهم بوضع السواتر فمن كان أعلى وضع من السواتر ما يحول دون اطّلاعه على بيت جاره، وإن استويا في العلو اشتركا في وضع الساتر بينهما، (ينظر: منهج الطالبين وبلاغ الراغبين ج13، الموسوعة الفقهية الكويتية ج16، ص220)، وبالنظر إلى العلة التي من أجلها قال من قال بمنع الجار من ذلك يظهر أنّها الاطلاع على حرمات الجار، وذلك في حينٍ كانت البيوت فيه مكشوفة حسب طبيعة البناء في ذلك الزمان، فمن علا بطابق على جاره كشف ذلك العلو جوف بيت الجار، أما في هذا العصر فقد اختلفت طبيعة البناء، بحيث أصبح بناء البيوت من مجالس وغرف وملحقات كلها محاطة بجدار ومسقفة بسقف واحد غالباً، ولئن وُجد ملحق بسقف مستقل فإنّه يكون بقرب يجعله في حكم السقف الواحد، مع وجود فناء من كل جهات البيت من خلال الارتدادات، ويحيط به سور خارجي، هذا حسب ما تقتضيه أنظمة البناء في هذا العصر، وعلى هذا الوضع لا يمكن للجار أن يطّلع على جوف بيت جاره، وإنّما يشرف بسبب علوّه على الفناء فقط، والحرمات التي يُحذر من الاطلاع عليها لا تكون عادة في الفناء، وإنما في داخل البيوت، فمن أراد ظهور شيء من هذه الحرمات في فناء بيته فعليه أن يجعل من السواتر ما يحول دون اطّلاع جاره عليها، ومع هذا النظر تنتفي العلة التي من أجلها منع من مقال بمنع الجار من فتح نافذة تشرف على بيت جاره، والأحكام تدور مع العلل وجوداً وعدماً، على أنّ من القواعد الشرعية أنّه "لا ينكر تغيّر الأحكام الاجتهادية بتغيّر الزمان"، ولذا حكمت المحكمة برفض الدعوى.


حكم قضائي، ضرر، نوافذ مطلة على فناء، الجار


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع