مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


(إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


28/04/2023 القراءات: 175  


(إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ)
إن حياة المسلمين يجب أن تقوم على عبادة الله حصرًا. فالمسلم يؤمن إيمانًا جازمًا أن الله هو الذي خلقه وشقَّ سمعه وبصره، وأنه مخلوق لغاية واحدة هي عبادة الله ويتبعها تعبيد الناس لله رب العالمين، وهذه العبادة لا يمكن أن تتحقق كاملة من غير وجود دولة إسلامية تقوم بما أناطه الشرع بها، وبحيث لا يجوز أن يقوم بها غيرها، فهي إن وجدت الدولة طبقت وإن لم توجد تعطلت… وهذا الذي عليه الإسلام من أن دينهم دين حكم وتشريع وجهاد ،كما هو دين عبادات وأخلاق ومطعومات… نلمسه في آيات الله تعالى؛ ولكن من غير أن يحرِّك المسلمين، وعلمائهم خاصة، إلى أنه واجب عليهم، إن خلت الحياة من أحكام الله بسبب غياب الدولة الإسلامية، أن يقيموها ليقيموا الدين كله بها. وهذه طائفة من آيات الله التي تأمر بالحكم بما أنزل الله، وتصف من يريد التحاكم لغير الله بالضلال، والمسلمون إن لم يفطنوا لهذا فهم عند الله من المؤاخذين؛ لأن ذمتهم متعلقة به، وسوف يسألون عنه يوم القيامة، إن خيرًا كان أو شرًّا.
– قال تعالى:(إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ)[يوسف:40] وفيه إن الحكم والتحاكم من العبادة، فالآية تحصر الحكم في الله عز وجل، فلا يجوز لأحد أن يطلب الحكم من غير الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال بعدها: أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ؛ وذلك يدل أن التحاكم إليه عبادة يجب أن تصرف لله وحده.
– قال سبحانه: (وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِۚ)
[ البقرة:213]. وفي هذه الآية يبين الله سبحانه وتعالى مهمة الأنبياء، كل الأنبياء، في تعبيد الناس لله إنما تكون بالحكم بما أنزل حصرًا، والنبي منهم، خاصة وأن دين الإسلام هو دين تشريعي إنساني عالمي ماض حكمه إلى قيام الساعة.
– وقـال تعالى: (إِنَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِتَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَىٰكَ ٱللَّهُۚ)[النساء:105]. وهذا يعني أن الحكم بالإسلام هو حكم بين الناس في مسائل النزاع والاختلاف: في الدماء والأعراض والأموال وسائر الحقوق، وجميع مسائل الأحكام، وتكون على الطريقة الاجتهادية التي أقرها الشرع.
– وقال عزَّ من قائل: (إِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ أَن يَقُولُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۚ وَأُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُون٥١) [النور:47] وهذا يعني أن المؤمنين مدعوون ليحكم بينهم بالإسلام، والواجب عليهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا طاعة تامة سالمة من الحرج، وحصر الله سبحانه الفلاح بذلك.
– وقال عزَّ وجلَّ: (يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا ٥٩ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِۦۖ وَيُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُضِلَّهُمۡ ضَلَٰلَۢا بَعِيدٗا ٦٠ وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيۡتَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودٗا ٦١ فَكَيۡفَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّآ إِحۡسَٰنٗا وَتَوۡفِيقًا) [النساء:59-62]. والمقصود بطاعة أولي الأمر هم الولاة على الناس من الأمراء والحكام والعلماء، فإنه لا يستقيم أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم فيما أمروا به من طاعة.
ويعجب الله من حالة المنافقين الذين يزعمون أنهم آمنوا ومع هذا يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وهو الحكم بغير شرع الله، فكيف يجتمع هذا والإيمان؟! فالإيمان يقتضي الانقياد لشرع الله وتحكيمه في كل أمر من الأمور، فمن زعم أنه مؤمن واختار حكم الطاغوت فهو كاذب في ذلك وهذا من إضلال الشيطان (تفسير السعدي)
– وقال جلَّ ثناؤه: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا٦٥) [النساء:65]. يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: «يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يُحَكِّمَ الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له ظاهرًا وباطنًا» (تفسير ابن كثير). ويقول ابن القيم عن هذه الآية: «أقسم سبحانه بنفسه المقدسة قسمًا مؤكدًا بالنفي قبله على عدم إيمان الخلق حتى يحكِّموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الأصول والفروع، وأحكام الشرع وأحكام المعاد، ولم يثبت لهم الإيمان بمجرد هذا التحكيم حتى ينتفي عنهم الحرج وهو ضيق الصدر، وتنشرح صدورهم لحكمه كل الانشراح، وتقبله كل القبول، ولم يثبت لهم الإيمان بذلك أيضًا حتى ينضاف إليه مقابلة حكمه بالرضا والتسليم وعدم المنازعة وانتفاء المعارضة والاعتراض» (البيان في أقسام القرآن ص 270).
–قال تعالى: (وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ)(ٱلظَّلِمُون)(ٱلۡفَٰسِقُونَ) فاحكم بغير ما أنزل الله من أعمال أهل الكفر الذين وصفهم القرآن بالكافرين والظالمين والفاسقين بحسب أحوالهم التي يكونون عليها من الإعراض عن حكم الله، وهي كلها أوصاف ذم. وهي لعمومها متعلقة بالمسلمين من غير أن تخرجهم عن الملة إلا إذا قاموا بها اعتقادًا منهم.


(إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع