مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


لا تنتظر الشكر من أحد، أ. د. محمد محمود كالو

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


06/01/2023 القراءات: 2189  


لا تنتظر الشكر من أحد
لا يميل البشر إلى شكر غيرِهم؛ لما جُبلوا عليه من نُكران وجُحود، وقد صوَّر اللهُ عز وجل جُحود الإنسان بقوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} [العاديات: 6]؛ أي: إن الإنسان كفورٌ بنِعَم ربِّه عليه، والأرضُ الكَنود هي التي لا تُنبتُ شيئًا، وعليه فإن الجُحودَ ونكرانَ المعروف طبيعةٌ إنسانية في بني البشر، حتى قيل في المثل: "اتَّقِ شَرَّ مَنْ أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ".
إن النفس السَّوية هي التي تشكر اللهَ حتى تتمكَّن من شكر الناس؛ لأن أشكرَ الناسِ لله تبارك وتعالى أشكرُهم للناس، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ» [رواه أحمد وأبو داود]
فإذا صنعت معروفًا أو اجتهدت في عمل ما فلا تنتظر الشكر من أحد، واعلم أن البشر قد قصروا في الشكر تجاه الخالق عز وجل، وهو الذي رزقهم وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، فما كان من أكثرهم إلا الجحود والنكران، فهل تنتظر أنت أيها الإنسان أن يشكرك أمثال هؤلاء؟!
يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [غافر: 61].
والنكران والجفاء وكفر النعمة غالبة على بعض النفوس، فلا تنصدم إذا وجدت هؤلاء قد كفروا جميلك، وأحرقوا إحسانك، ونسوا معروفك، بل ربما رموك بمنجنيق الحقد الدفين، بل ربما نصبوا لك العداء، ولا شيء إلا لأنك أحسنت إليهم، وحسدوك على ما آتاك الله تعالى من فضله، قال سبحانه وتعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النساء: 54].
أخي الكريم: تعلم أن تعمل الخير لوجه الله تعالى، واصنع المعروف لكل الناس قدر استطاعتك، ولا تنتظر الشكر من أحد، واقتدِ بعبادِ الله الأخيار الذين قال عنهم: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 9].
لا تنتظر أن يصفق لك أحد أو يشجعك لكي تُكمل أو تُنجز أو تُسْعَد..
ابحث بداخلك عن إمكانياتك الخاصة بك وستجد الحب والدعم والتحفيز والقوة، تحمل مسئوليتك بنفسك..
لا تنتظر مالاً سيأتيك من عالم آخر، أو حتى جائزة تفوز بها كي تحقق أحلامك، تفاعل مع ما لديك من أدوات، واحذر أن تسحقك العجلة والسرعة، أو أن تبدأ دون هدف، توكل على الله تعالى، وخطط بإحكام، واستخر الباري سبحانه، ولا تنتظر الشكر من أحد.
وإذا كنتَ لا تنتظر إلا ثناء الله تعالى ومدحه، فإن الله سيجمع لك مدح الدنيا والآخرة، وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا لَهُ ‌صِيتٌ ‌فِي ‌السَّمَاءِ، فَإِذَا كَانَ صِيتُهُ فِي السَّمَاءِ حَسَنًا وُضِعَ فِي الْأَرْضِ، وَإِذَا كَانَ صِيتُهُ فِي السَّمَاءِ سَيِّئًا وُضِعَ فِي الْأَرْضِ) [الطبراني في المعجم الأوسط، برقم: 5248].
ولذلك تجد كثيراً من العلماء لهم في الأرض محبة وذكر، حتى إن كثيراً من العوام ليسمع بالشيخ فلان فيحبه ولو لم يره أو يسمع منه كلمة، ولكن مما سمع من أقواله وأفعاله؛ لماذا؟ لأن الله تعالى وضع له صيتاً في السماء ثم وضع له صيتاً في الأرض.
وإذا كان في سوق الحياة المادية التي تقول لك: كل شيء بثمن، (ادفع الثمن تستلم البضاعة) ولا بضاعة بلا ثمن، فإن المعالجة الإسلامية هي: نعم كل شيء بعوض؛ ولكن ليس بالضرورة أن يكون العوض مادياً، والأجر مالياً، بل إن الإسلام يلخّص نظرته تلك بالقول: "‌اصْنَعِ ‌الْمَعْرُوفَ إِلَى مَنْ هُوَ أَهْلُهُ وَإِلَى مَنْ لَيْسَ هُوَ أَهْلُهُ، فَإِنْ أَصَبْتَ أَهْلَهُ فَهُوَ أَهْلُهُ، وَإِنْ لَمْ تُصِبْ أَهْلَهُ فَأَنْتَ مِنْ أَهْلِهِ" [أخرجه القضاعي في مسند الشهاب برقم: 747].
هذه النظرية الإسلامية يُعرِّفها أحد الشعراء بقوله:
ازرعْ جميلاً ولو فِي غَيرِ مَوضِعهِ
فَــلا يَضيـعُ جَميــلٌ أينَمــا زُرِعــا
إنَّ الجَميـلَ وإنْ طالَ الزَّمانُ بِـهِ
فليــسَ يَحصـدُهُ إلَّا الَّـذي زَرَعـا
كما أن الطبيعة من حولنا تُقدِّم لنا وسائل إيضاح رائعة، ومعلّمٌ مخلص لنا، في عدم انتظار الشكر من أحد، فمثلاً:
الشمس تشرق على البرّ والفاجر، وعلى الجاحد والشاكر، وعلى العامل والعاطل، والظالم والعادل، وتهب دفنها ونورها للجميع بلا تفرقة عنصرية أو طائفية أو دينية، حتى لو جحد الجاحد عطاءها لا تبالي وتمارس عطاءها وبنفس النشاط في اليوم التالي! ولا تنتظر الشكر من أحد.
وينبوع الماء المتدفق من الأرض نقياً، لذيذاً، بارداً، ثرياً، منعشاً، لم يكتب لافتة على مقربة منه تقول: "ممنوع الشرب إلا للشاكرين"، بل ماؤه مشاعٌ ومباحٌ للجميع، وحتى لو (بصق) عليه جاحد، وألقى عليه حجراً حاقد، لما كفّ عن التدفّق والإرواء، ولا تنتظر الشكر من أحد.
وشجرةُ الوردِ الجوريّ المتفتح في كل صباح ربيعي جميل، لم نسمع أنّها منعت أحداً من الكافرين بالزهور أن يشمَّ روائحها العطرة، بل حتى الذين يقطعونها ويرمونها على قارعة الطريق، تبقى الجورية في عطائها، ولا تنتظر الشكر من أحد.
وكذلك النحل، يصنع العسل بجهود متضافرة، وهو غذاؤه، ورغم أنّ الإنسان يشاركه غذاءه بحصّة الأسد؛ لكن النحلة لم تفكر قط في غلق أبواب مصنع العسل لأنّ الإنسان يشاطرها غذاءها، ولا تنتظر الشكر من أحد.
وكذلك العصافير تغرد كل يوم ولا أحد يشكرها وهكذا..
نعم، لا تنتظر الشكر من أحد، ويكفي ثواب الرب الصمد، وما عليك ممن جحد وحقد وحسد، ولا يضايقنك انقطاعُ علاقةِ أحدِهم بك حينما تنتهي مصلحته التي وصَلَته بك ابتداءً، وقل: الحمد لله الذي أعانني على قضاء حوائج خَلقِه، وكفى.
فإنك إذا كنت تعمل لله تعالى فانتظر شكر الله جل جلاله، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، قال سبحانه وتعالى: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [الكهف:30].


الشكر، شكر الناس، الكنود، يشكرون، الجاحد، شكر الله


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع