مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


يَوْمُ التَّرْوِية، أ. د. محمد محمود كالو

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


26/06/2023 القراءات: 483  


يَوْمُ التَّرْوِية

يوم التَّرْوِية: هو اليوم الثامن من ذي الحجَّة، وينطلق فيه الحجاج إلى منًى، ويحرم المتمتع بالحج، أما المفرد والقارن فهما على إحرامهما، ويبيتون بمنًى اتباعًا للسنة، ويصلون فيها خمس صلواتٍ: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، وهذا الفجر هو فجر يوم عرفة.
ومشعر "مِنَى" هو أولى محطات مناسك الحج في المشاعر المقدسة، حيث يقضي حجاج بيت الله الحرام في هذا المشعر يوم التَّرْوِية، وليالي التاسع والحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة، لمن يتعجل، وليلة الثالث عشر لمن يتأخر، قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [البقرة:203].

وسُميَ يوم التروية بهذا الاسم لأن الحجاج كانوا يروون فيه من الماء من أجل ما بعده من أيام؟

قال العلامة البابرتي في "العناية شرح الهداية" (466-468/2):
"قِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَأَى لَيْلَةَ التَّرْوِيَةِ كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ لَهُ: إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُك بِذَبْحِ ابْنِك هَذَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ تَرَوَّى: أَيْ تَفَكَّرَ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّبَاحِ إلَى الرَّوَاحِ أَمِنْ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا الْحُلْمُ أَمْ مِنْ الشَّيْطَانِ؟ فَمِنْ ثَمَّةَ ‌سُمِّيَ ‌يَوْمَ ‌التَّرْوِيَةِ. فَلَمَّا أَمْسَى رَأَى مِثْلَ ذَلِكَ، فَعَرَفَ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَ يَوْمَ عَرَفَةَ. ثُمَّ رَأَى مِثْلَهُ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ فَهَمَّ بِنَحْرِهِ فَسُمِّيَ الْيَوْمُ بِيَوْمِ النَّحْرِ. وَقِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ بِالْمَاءِ مِنْ الْعَطَشِ فِي هَذَا الْيَوْمِ يَحْمِلُونَ الْمَاءَ بِالرَّوَايَا إلَى عَرَفَاتٍ وَمِنًى. وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَوْمُ عَرَفَةَ بِهِ لِأَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَّمَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَالَ لَهُ: أَعَرَفْت فِي أَيِّ مَوْضِعٍ تَطُوفُ؟ وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ تَسْعَى؟ وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ تَقِفُ؟ وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ تَنْحَرُ وَتَرْمِي؟ فَقَالَ عَرَفْت، فَسُمِّيَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَسُمِّيَ يَوْمُ الْأَضْحَى بِهِ لِأَنَّ النَّاسَ يُضَحُّونَ فِيهِ بِقَرَابِينِهِمْ".

وهناك قول آخر بأنه سمي بذلك لحصول التروِّي فيه من خليل الرحمن إبراهيم في ذبح ولده إسماعيل عليهما السلام؛ قال العلامة العيني في "البناية شرح الهداية" (4: 211):
"وإنما سمي يوم التروية بذلك؛ لأن إبراهيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ رأى ليلة الثامن كأنَّ قائلًا يقول له: "إن الله تعالى يأمرك بذبح ابنك"، فلما أصبح رؤي، أي: افتكر في ذلك من الصباح إلى الرواح؛ أمِنَ الله هذا، أم من الشيطان؟ فمِن ذلك سمي يوم التروية".

وقال خاتمة المحققين الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
«وَسُمِّيَ التَّرْوِيَةَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْوُونَ فِيهَا إِبِلَهُمْ وَيَتَرَوُّونَ مِنَ الْمَاءِ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَمَاكِنَ لَمْ تَكُنْ إِذْ ذَاكَ فِيهَا آبَارٌ وَلَا عُيُونٌ وَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ كَثُرَتْ جِدًّا وَاسْتَغْنَوْا عَنْ حَمْلِ الْمَاءِ...
‌وَقِيلَ ‌فِي ‌تَسْمِيَتِهِ ‌التَّرْوِيَةَ ‌أَقْوَالٌ ‌أُخْرى ‌شَاذَّةٌ مِنْهَا: أَنَّ آدَمَ رَأَى فِيهِ حَوَّاءَ وَاجْتَمَعَ بِهَا، وَمِنْهَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ رَأَى فِي لَيْلَتِهِ أَنَّهُ يَذْبَحُ ابْنَهُ فَأَصْبَحَ مُتَفَكِّرًا يَتَرَوَّى، وَمِنْهَا أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَرَى فِيهِ إِبْرَاهِيمَ مَنَاسِكَ الْحَجِّ، وَمِنْهَا أَنَّ الْإِمَامَ يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهِ مَنَاسِكَ الْحَجِّ، وَوَجْهُ شُذُوذِهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنَ الْأَوَّلِ لَكَانَ يَوْمَ الرُّؤْيَةِ، أَوِ الثَّانِي لَكَانَ يَوْمَ التَّرَوِّي بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ، أَوْ مِنَ الثَّالِثِ لَكَانَ مِنَ الرُّؤْيَا، أَوْ مِنَ الرَّابِعِ لَكَانَ مِنَ الرِّوَايَةِ»..
(فتح الباري:3/507).

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: «وَيُسَمَّى يَوْمُ التَّرْوِيَةِ يوم ‌النقلة ايضا لان الناس ينقلون فِيهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى».
انظر: (المجموع للنووي (8/81).

وأخيراً: للحجاج التلبية، ولنا التكبير..
ولهم الوقوف بعرفة، ولنا صيام عرفة..
وعليهم الهدي، وعلينا الأضحية..
سبحان من أكرمهم وأكرمنا فله الحمد والمِنّة والثناء الحسن الجميل.
ومن أجمل ما قاله ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى في كتابه: (لطائف المعارف، دار ابن حزم، 2004م:287)
" من فاته في هذا العام القيام ‌بعرفة
فليقم لله بحقه الذي عرفه
من عجز عن المبيت بمزدلفة
فليبت عزمه على طاعة الله وقد قربه وأزلفه
من لم يمكنه القيام بأرجاء الخَيْف
فليقم لله بحق الرجاء والخوف
من لم يقدر على نحر هديه بمِنى
فليذبح هواه هنا وقد بلغ المُنى
من لم يَصِلْ إلى البيت لأنه منه بعيد
فليقصد رب البيت فإنه أقرب إلى من دعاه ورجاه من حبل الوريد".
رزقنا الله وإياكم الرؤية والتروِّي والرُّؤْيا والتَّرْوِية.


يَوْمُ التَّرْوِية، الْمَنَاسِكَ ، التروِّي ، يوم ‌النقلة، وأزلفه


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع