مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


القوة السحرية للكلمة (2)

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


18/01/2024 القراءات: 598  


وذكر الإمام الذهبي إمام زمانه حفظًا، وذَهَبُ عصره معنى ولفظًا: أن سبب طلبه لعلم الحديث كلمة واحدة شحذت همته، وملأت قلبه وعقله، كلمة سمعها مِن معلمه الإمام البرزالي، قال الذهبي: "لما رأى الإمام البِرزالي خطِّي قال لي مستحسنًا: إنَّ خطك هذا يُشْبِهُ خَطَّ المُحَدِّثِين. فحبَّبَ اللهُ لي عِلْم الحديث".
كلمة إشادة رقيقة، جعلت مِن الذهبيّ إمام أهل السُّنة في علم الجرح والتعديل، فكتب لنا "سير أعلام النبلاء"، و"ميزان الاعتدال في نقد الرجال"، و"المعين في طبقات المحدثين"، و"ديوان الضعفاء والمتروكين"!
وقد هذَّبه الحديث وجعله متواضعًا، ولمَّا ترجم لنفسه قال: "الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز، يُثني عليه الناس خيرًا وربه أعلم به!".
وهكذا فإن للكلمة تأثيراً عجيباً، ولا شك أننا جميعاً لا ننسى ذلك الشخص الذي شجعنا بكلمة صادقة والدًا كان أو معلمًا أو صديقًا؛ فكان لتشجيعه أثر عظيم في مسار حياتنا وما حققناه مِن إنجاز ديني أو دنيوي.
فيا أيها الوالد والمعلم والداعية، ويا أيتها الأم: انتبهوا إلى كلماتكم مع الناشئة، فرب كلمة شقّت لهم طريقًا إلى المجد والعلا، وكلمة أخرى ألقت بهم في مهاوي الردى على هامش الحياة.
نعم، إن هذا الجسد لدينا ليتأثر بالكلمة، بل حتى الماء يتأثر بالكلمة ويتأثر بها، لأن الله تعالى خلق كل شيء حي من الماء، فقال سبحانه وتعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء:30].
وأجسامنا تتكون من 70 % من الماء، لذا فإن الكلمة تؤثر في أجسامنا إما سلباً أو إيجاباً، لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ) [رواه البخاري ومسلم].
وهذا العالم الياباني (ميساروا إيموتو) رئيس معهد هادو للبحوث العلمية بطوكيو قام بعمل بحث مذهل على تأثير الكلمات وترددها واهتزازها على جزيئات الماء، حيث قام بجمع ماء من أماكن متفرقة من العالَم ووضعها في أواني بكميات متساوية، وفوجئ أنَّ الماء يتأثر بالكلام الطيب، وتتوزع بلوراته وجزيئاته بشكل هندسي مذهل مكونة تجمعات بلورية جميلة، وعلى العكس عند تعرض الماء لكلام سيئ أو كلام عشوائي؛ فإن البلورات والجزيئات تترتب بأشكال عشوائية غير جميلة ولا مميزة.
وأخيراً: قد يسجن الانسان لكن لا تسجن الكلمة، فالكلمة حرة تتسلل بين الجدران والقضبان الحديدية وتسري بقوة لتخترق المسامع وتستقر في القلوب والعقول، وقد تكون الكلِمة شعرًا أو نثرًا، لا يهم؛ ولكن صدق قائلها وعظم مضامينها كفيلٌ بتغيير قناعات وقلب موازين وبناء واقع جديد في حياة شخص ما، وما أجمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: {إنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا} [رواه البخاري].
فلا تستهينوا بالكلمة، وخاصة إذا كانت صادقة ومؤثرة ومعبرة؛ فإنها قوية تنطلق من القلب وتعبر كالرصاصة إلى قلوب الآخرين.


الكلمة الطيبة، تأثير الكلمة، البيان، كلمة إشادة، الكلمة حرة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع