مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


فرنسا.. والاستهزاء بالمسيح

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


29/07/2024 القراءات: 285  


فرنسا.. والاستهزاء بالمسيح
يوم الجمعة الماضي، انطلقت دورة الألعاب الأولمبية "باريس 2024" والتي تستمر فعالياتها حتى 11 أغسطس/ آب المقبل، بإقامة حفل افتتاح مبهر على ضفاف نهر السين شمالي فرنسا، وسط حضور غفير من الجماهير.
لكن بعض العروض خلال الحفل كانت تتضمن ترويجاً للمثلية الجنسية ونقائض الفطرة، (رجل يرتدي ملابس نسائية ويضع مكياجاً)، وبعضها تتضمن الإساءة للسيد المسيح عيسى بن مريم أحد أولي العزم من الرسل، وأمه الصديقة الطاهرة العفيفة مريم البتول عليهما السلام، (حيث ظهر مكان من يُوصف بـ"السيد المسيح" في لوحة العشاء الأخير، ظهر رجل عارياً يمثل ديونيسوس، وهو إله الخمر والاحتفالات الماجنة في الأساطير الإغريقية القديمة).
وفي حديثه للصحفيين، دافع المدير الفني للحفل توماس جولي عن العرض، وقال "في فرنسا الناس أحرار في حب ما يشاؤون، أحرار في حب من يريدون، أحرار في الإيمان أو عدم الإيمان".
إن ما حدث هو خطير جداً، وقول المدير الفني وقح جداً، إذ لا يصح الاختباء في هذا المجال وراء ما يسمى بحرية التعبير أو حرية الرأي، لأن مثل تلك الإساءات ليست من هذا الباب، فلا بد عند ممارسة الحرية من احترام معتقدات الآخرين، وعدم العدوان على رموز وقيم الأمم، وإلا كان ذلك مدعاة للفوضى، ونشرًا للكراهية، وإفسادًا للمجتمع الإنساني، وهو مبدأ متفق عليه بين جميع العقلاء من جميع الأمم والشعوب، بل هذا المشهد ما هو إلا تعبير حقيقي عن الخواء الروحي، ويبرز لنا أن العالم الغربي ضعيف ومتفكك وبلا أخلاق.
إن الاعتداء والإساءة لسيدنا المسيح عيسى عليه السلام من أعظم السفه وأكبر الخطايا، بل هو تماماً كالاعتداء على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن الأنبياء كلهم إخوة، ولسان حالنا كمسلمين تجاههم هو ما عبر عنه القرآن الكريم على لسان الثلة المؤمنة: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ) [البقرة:285].
فالإساءة لنبي الله المسيح عيسى بن مريم وأمه في حفل افتتاح أولمبياد باريس 2024م يعبر بكل وضوح عن انتهاج فرنسا نهجًا جديدًا في تطرفها الفكري والسلوكي؛ وذلك من خلال فرض أفكار طارئة تخالف الفطرة الإنسانية على العالم، وأن ترويجها للعدالة والحرية والسلام والحقوق لم يعد سوى شعارات جوفاء، تكذبها الأقوال والأفعال، وهي إساءة لكل أصحاب العقول السليمة الذين يرفضون الإساءة لمعتقدات الآخرين ومقدساتهم.
وبهذه المناسبة أنقل بعض أقوال العلماء فيمن تنقص أحد الأنبياء:
قال ابن نجيم الحنفي رحمه الله تعالى: "ويكفر بعيبه نبياً بشيء" [البحر الرائق: 5/130].
وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى:" من استخف به – يعني بنبينا صلى الله عليه وسلم - أو بأحد من الأنبياء، أو أزرى عليهم، أو آذاهم، أو قتل نبياً، أو حاربه: فهو كافر بإجماع" [الشفا بتعريف حقوق المصطفى: 2/284].
وقال الدردير المالكي رحمه الله تعالى:" من سبَّ نبياً مجمعاً على نبوته، أو عرَّض بسب نبي فقد كفر" [حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 4/309].
وقال الشربيني رحمه الله تعالى: " من كذب رسولاً أو نبياً أو سبَّه أو استخفَّ به أو باسمه... فقد كفر" [مغني المحتاج:5/429].
وقد سقت هذه النصوص تحذيراً وتنبيهاً لأولئك الذين يطلقون ألسنتهم بسب الدين أو شتم الأنبياء، لأن هذه الظاهرة المقيتة انتشرت كثيراً في هذا الزمان.
فمن وقع في مثل هذا الإثم العظيم فعليه أن يسارع إلى التوبة الصادقة، والعودة إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين وتعظيم جميع الأنبياء.
وأخيراً: إننا أولى بالرسل والأنبياء من جميع الأمم التي تنتسب إليهم، وإننا يجب علينا أن ندافع عن جميع الأنبياء إن تعرض لهم أحد بالسب والأذى، فالدفاع عن أي نبي يكون بتعظيم وتوقير جميع الأنبياء، وإظهار فضلهم على الناس كافة، وبيان ارتباط رسالاتهم ببعضها، وأنهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ: هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ، قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ) [رواه البخاري ومسلم].
نسأل الله تعالى أن يردنا إلى ديننا رداً جميلاً، وأن يشملنا بشفاعة أنبيائه وأوليائه وصالح المؤمنين.


فرنسا، الاستهزاء بالمسيح، الألعاب الأولمبية، المثلية الجنسية، حرية الرأي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع