تطور الصراع الأيديولوجي في المجتمع العربي الحديث الجزء الثاني ه
د. محمد سلامة غنيم | Dr. Mohammed Salama Ghonaim
28/02/2024 القراءات: 435
وفي المقابل انتصب لهم تيار المحافظين من خريجو الأزهر الشريف، والذي رفض الحضارة الغربية بإيجابياتها وسلبياتها، لكن هذا التيار ركن إلى نظرية المؤامرة - وهي حقيقة - لكنها ليست مبرر لرفض الاستفادة من تجارب الآخرين، كما استفاد سلفنا من الفرس والروم. ومن هنا بدأ الصراع الأيديولوجي في مصر، ثم انتقل منها إلى أقاليم العالم الإسلامي، وظل هذا الصراع قائما حتى بعد طرد الإنجليز والحصول على الاستقلال، ومن ثم آلت السلطة في مصر وغيرها إلى الجيوش القومية، لكن السلطة آنذاك انحازت إلى اليساريين وروضت المحافظين الذين ليس لهم طموح في السلطة السياسية، بينما نكلت بنخب الإسلام السياسي، وذلك للأسباب الآتية: ١- اليساريين لم يكن لهم طموح واضح في انتزاع السلطة السياسية، بقدر ما كان اهتمامهم منصب على السلطة الفكرية، بالإضافة إلى النفوذ إلى مفاصل الدولة بفضل الإنجليز، كما يعود ذلك أيضا إلى الامتيازات التي منحها إياهم الإنجليز من الصحف وغيرها والتي جعلت الجماهير تنحاز إليهم آنذاك. ٢- عمل الإنجليز على تصدير صورة مشوهة عن هذا التيار إلى المجتمع من خلال القوى الناعمة، مثل؛ السينما والمسرح والصحافة.. كما رفضته السلطة القومية آنذاك؛ لأنه كان يتطلع إلى انتزاع السلطة. وقد ظل الصراع الإيديولوجي بين النخب قائما إلى الآن، وقد اتخذ صورا عديدة من الصراع الفكري إلى الصراع الجسدي والعنف في بعض المراحل، فضلا عن التشويه والتشكيك في النيات من كلا الطرفين، كل ذلك يتم وسط حالة من الاستقطاب الجماهيري، وتسخير مقدرات الأمة من أجل هذا الصراع البغيض، إلى الحد الذي تسرب منه هذا الصراع إلى محاريب العلم وقاعاته. ولو أن هذه النخب الأيديولوجية اجتمعت على مائدة الحوار واستحضرت وحدة المقاصد، وهي خير المجتمع والنهوض به، لأمكنهم الاتفاق على الوسائل والآليات، لكن الصراع قد ولد تعصب أعمى، كما أن هناك أطراف أخرى تستفيد من تأجيج هذا الصراع، فضلا عن ضعف المستوى الثقافي في كثير من الأحيان. ومع ذلك قامت صحوة تدعو للتجديد القائم على الحوار والرافض للإقصاء، وذلك في الثمانينيات والتسعينيات، إلا أن هذه الحركة هي الأخرى لم تمتلك الوعي الكافي بحركة التاريخ، وأن التغيير إنما يبدأ مما بالنفوس، والنفوس إنما تحوي أفكار ومعتقدات، وسبيل تغييرها لا يكون إلا من خلال التربية. ومنذ ذلك الحين والصراع الإيديولوجي قائم رغم تفاوت شدته، وثمن هذا الصراع هو استمرار تخلف الأمة عن ركب الحضارة، وأهم خسائر هذا الصراع: - استمرار الهيمنة الغربية على أمتنا ونهب ثرواتها، فإن الغرب هو المستفيد من توازن القوى التي تضمن استمرار بين النخب الأيديولوجية. - إهدار طاقات هذه النخب في صراع لا طائل منه والكل فيه خاسر، وعدم توجيه هذه الطاقات وجهتها الصحيحة.
أيديولوجية ، تعليم، تغريب
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مقال رائع طرح القضية وحلولها
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة