مدوّنة الأستاذ المشارك الدّكتور منير علي عبد الرّب القباطي
الانحراف في باب البدعة والتّبديع في مسائل الخلاف الفقهيّ المعتبر (7)
الأستاذ المشارك الدّكتور منير علي عبد الرّب | Associate Professor Dr. Muneer Ali Abdul Rab
30/04/2023 القراءات: 1007
لبس الطّاقية من غير عمامة
ظهر في هذا الزّمن من يبدّع لابس الطّاقية - تشبه القلانس وتوضع على الرّأس- من غير عمامة، أو بما تسمّى بالكوفية؛ فقال أحدهم كما نشره موقع الإسلام سؤال وجواب (https://islamqa.info/ar/answers): وبعد البحث والتّقصّي ظهر لي أنّ لبس الطّاقية طوال الوقت من غير عمامة أمر بدعيّ ! فكان ممّا ردّ به عليه الشّيخ محمّد المنجّد في نفس الموقع، قوله: فنقرّر ما قرّره العلماء والفقهاء: أنّ اللّباس هو من الشّأن الاعتياديّ الّذي لا يخضع لقاعدة التّعبّد، وإنّما لباب المباحات الّتي وسّع الله -عزّ وجلّ- فيها على النّاس، فلم يأمرهم بلباس خاصّ، ولا بصفة معيّنة فيه، إلّا في مسائل معيّنة معروفة ومحصورة، وما سوى ذلك فإنّما أمر فيه بستر العورة، وفتَح الباب واسعًا لاختلاف عادات النّاس وما يناسب الزّمان والمكان ضمن ضوابط شرعيّة عامّة،
ومن يدّعي خلاف ذلك يعوِزه الدّليل الشّرعيّ، فالسّنّة النّبويّة ليس فيها حديث واحد يأمر النّاس بلباس محدّد على صفة خاصّة، وليس فيها نهي عن شيء من عادات النّاس بإطلاق في هذا الباب، وهكذا جاءت أقوال أكثر العلماء أيضًا، موافقة لأصل الإباحة والعفو الّذي أنعم الله به على النّاس. لذا فلا ينبغي نسبة كلّ ما يوضع على الرّأس من طاقية أو كوفية أو غترة أو شماغ -أغطية توضع على الرّأس- إلى البدعة؛ لأنّها من أمور العادات، والعادات من المعفو عنها ما لم يكن فيها تشبّه بالنّساء أو بالكفّار أو خروج عن عادات النّاس في لباسهم المألوف، وقد وسّعت الشّريعة الإسلاميّة فيما تعارف عليه النّاس واعتادونه، فلا يجوز أن نضيّق واسعًا، وأن ننسب إلى الدّين ما ليس منه.
الأذان وإقامة الصلاة بواسطة مكبّر الصّوت
كما ظهر في هذا الزّمن من يبدّع استعمال هذه المكبّرات للأذان والإقامة، كما نقلتها بعض المراجع المعاصرة (‘Afaneh,1430)، بل مات بعض أهل العلم وهو منكر لها؛ لأنّها تستعمل في عبادة محضة فلا يراها مباحة، بل بدعة! (al-Khudhair,n.d). فإذا كانت هذه المكبّرات بدعة، فيترتّب على ذلك أنّ كلّ شيء أحدث في هذا الزّمن، ولم يكن في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بدعة ! فمكبّرات الصّوت إذن بدعة، والنّظّارات بدعة، والسّيّارات بدعة، والطّائرات بدعة، وفرش المساجد بدعة، والسّاعات بدعة، والإنترنت بدعة، والأسلحة الحديثة بدعة، وكلّ الأجهزة الألكترونيّة والكهربائيّة بدعة؛ لأنّها لم تكن في عهد الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- !!! ينبغي على المبدّع أن يفهم حدود البدعة وضوابطها قبل تبديعه، فقد تقدّم في المبحث الأوّل تعريف الشّاطبيّ للبدعة، وقد قيّدها بالدّين على غير مثال سابق، ووصفها بأنّها تشابه الطّريقة الشّرعيّة، وفي الحقيقة تخالفها، واحترز بذلك الطّريقة المخترعة في الدّنيا، كالصّناعات والمخترعات الحديثة، وما تقدّم ذكره داخل تحت هذا، بل كثير من هذه المخترعات تحقّق مصالح دينيّة، وما كان وسيلة إلى هذا المقصد فهو مطلوب أيضًا.
هذه المسائل غيض من فيض، فهناك مسائل أخرى لا يسع المقام لذكرها، وكان الهدف من ذكر هذه المسائل: تسليط الضّوء على الخلاف الفقهيّ السّائغ، ومناقشة بعض حجج من يرمي قول المخالف بالبدعة، ويوصف قائله بالمبتدع؛ للذّود عن علمائنا الأجلّاء، وليكون النّاس على علم بحدود البدعة والتّبديع، وضوابط الخلاف السّائغ في المسائل الفقهيّة. وختامًا: يوصي الباحث العلماء والعاملين في الحقل الدّعويّ -عند الإنكار على أيّ خلاف- معرفة نوع الخلاف، والتّأدّب بأدبه، والتّسامح في مورد الاجتهاد؛ حتّى لا ينشأ التّنافر والنّزاع في مسائل يسوغ فيها الخلاف. كما يوصي وزارات التّربية والتّعليم بوضع مناهج تعليميّة للمدارس والمعاهد والجامعات تتضمّن أخلاقيّات التّعامل مع الخلاف، وبيان خطورة البدعة والتّبديع.
الانحراف، البدعة، التّبديع، الخلاف
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة