مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


أيما مسلم شتمته أو لعنته، أو سببته أو جلدته ...

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


10/05/2023 القراءات: 282  


وعن هذا الباب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «أيما مسلم شتمته أو لعنته، أو سببته أو جلدته فاجعل ذلك له صلاة وزكاة وقربة تقربه إليك يوم القيامة» وهذا صحيح المعنى من وجه كذا قال وهذا المعنى في المسند والصحيحين وغيرهم وفيه اشتراط ذلك على ربه وفيه «إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر» . وقال أحمد حدثنا عارم حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه حدثنا السميط عن أبي السوار العدوي عن خاله قال: «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأناس يتبعونه قال فاتبعته معهم قال ففجأني القوم يسعون وأتى علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضربني ضربة إما بعسيب أو قضيب أو سواك أو شيء كان فوالله ما أوجعني قال: فبت ليلة قلت ما ضربني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا لشيء علمه الله عز وجل في، وحدثتني نفسي أن آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أصبحت، فنزل جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنك داع لا تكسر قرن رعيتك، فلما صلينا الغداة أو قال أصبحنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن أناسا يتبعوني وإني لا يعجبني أن يتبعوني، اللهم فمن ضربت أو سببت فاجعلها له كفارة وأجرا أو قال مغفرة ورحمة» أو كما قال إسناد جيد.
ولعل مراد الشيخ تقي الدين - رحمه الله تعالى - إن شاء الله تعالى ما في شرح مسلم وغيره أنه أجاب العلماء بوجهين:
(أحدهما) المراد ليس بأهل لذلك عند الله عز وجل في باطن الأمر ولكنه في الظاهر مستوجب له فيظهر له النبي - صلى الله عليه وسلم - استحقاقه لذلك بأمارة شرعية ويكون في باطن الأمر ليس أهلا لذلك وهو - صلى الله عليه وسلم - مأمور بالحكم الظاهر، والله تعالى يتولى السرائر.
(والثاني) أن ما وقع من سبه ودعائه ونحوه ليس بمقصود بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامهم بلا نية كقولهم: تربت يمينك وعقرى وحلقى لا يقصدون بشيء من ذلك حقيقة الدعاء فخاف أن يصادف إجابة
فسأل ربه سبحانه ورغب إليه في أن يجعل ذلك رحمة وكفارة وقربة وطهورا وأجرا، وإنما كان يقع هذا منه نادرا ولم يكن - صلى الله عليه وسلم - فاحشا ولا متفحشا ولا لعانا ولا منتقما لنفسه، وفي الحديث «أنهم قالوا ادع على دوس فقال: اللهم اهد دوسا وقال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» .
وقال ابن عقيل في الفنون إن المراد عند فورة الغضب لأمر يخصه، أو لردع يردعه بذلك الكلام عن التجرؤ إلى فعل المعصية لا لعنه في الخمر؛ لأنه تشريع في الزجر إلا أن يكون أراد رحمة فإنه يحتمل احتمالا حسنا؛ لأن لعنته عند من لعنه غاية في المنع من ارتكاب ما لعنه عليه وتوبته فسمى اللعنة رحمة حيث كانت آيلة إلى الرحمة قال الشيخ تقي الدين بن تيمية كلامه المتقدم
قال ابن الأثير في النهاية في قوله «أن رجلا اعترض النبي - صلى الله عليه وسلم - ليسأله فصاح به الناس فقال دعوا الرجل أرب ما له» قيل أرب بوزن علم، ومعناها الدعاء عليه أي: أصيبت آرابه وسقطت وهي كلمة لا يراد بها وقوع الأمر كما يقال: تربت يداك وقاتلك الله، وإنما تذكر في معرض التعجب وفي هذا التعجب من النبي - صلى الله عليه وسلم - قولان: أحدهما تعجبه من حرص السائل ومزاحمته. والثاني أنه لما رآه بهذه الحال من الحرص غلبه طبع البشرية فدعا عليه وقد قال في غير هذا الحديث «اللهم إنما أنا بشر فمن دعوت عليه فاجعل دعائي له رحمة» وقيل معناه احتاج فسأل من أرب الرجل يأرب إذا احتاج. ثم قال " ما له "؟ أي: أي شيء به وما يريد؟
(والرواية الثانية) أرب بوزن جمل أي: حاجة له، وما زائدة للتقليل أي: له حاجة يسيرة. وقيل: معناه حاجة جاءت به، فحذف ثم سأل فقال " ما له ". (والرواية الثالثة) أرب بوزن كتف، والأرب الحاذق الكامل أي: هو أرب فحذف المبتدأ ثم سأل فقال " ما له " أي: ما شأنه.
وهذا أحسن من إعلامه فإن في إعلامه زيادة إيذاء له فإن تضرر الإنسان بما علمه من شتمه أبلغ من تضرره بما لا يعلم. ثم قد يكون سبب العدوان على الظالم أولا إذ النفوس لا تقف غالبا عند العدل والإنصاف، فتبصر هذا ففي إعلامه هذان الفسادان. وفيه مفسدة ثالثة ولو كانت بحق وهو زوال ما بينهما من كمال الألف والمحبة، أو تجدد القطيعة والبغضة والله تعالى أمر بالجماعة ونهى عن الفرقة.
وهذه المفسدة قد تعظم في بعض المواضع أكثر من بعض وليس في إعلامه فائدة إلا تمكينه من استيفاء حقه كما لو علم فإن له أن يعاقب إما بالمثل إن أمكن أو بالتعزير أو بالحد وإذا كان في الإيفاء من الجنس مفسدة عدل إلى غير الجنس كما في القذف. وفي الفدية وفي الجراح إذا خيف الحيف، وهنا قد لا يكون حيف إلا في غير الجنس أما العقوبة أو الأخذ من الحسنات كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «من كانت عنده مظلمة لأخيه في دم أو مال أو عرض فليأته فليستحله قبل أن يأتي يوم ليس فيه درهم ولا دينار إلا الحسنات والسيئات فإن كان له حسنات أخذ من حسنات صاحبه فأعطيها، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئاته فألقيت على صاحبه ثم يلقى في النار» .
وإذا كان فيعطيه في الدنيا حسنة بدل الحسنة فإن الحسنات يذهبن السيئات فالدعاء له والاستغفار إحسان إليه وكذلك الثناء عليه بدل الذم له وهذا عام فيمن طعن على شخص أو لعنه أو تكلم بما يؤذيه أمرا أو خبرا بطريق الإفتاء أو التحضيض أو غير ذلك فإن أعمال اللسان أعظم من أعمال اليد حيا أو ميتا، حتى لو كان ذلك بتأويل، أو شبهة ثم بان له الخطأ فإن كفارة ذلك أن يقابل الإساءة إليه بالإحسان بالشهادة له بما فيه من الخير والشفاعة له بالدعاء فيكون الثناء والدعاء بدل الطعن واللعن ويدخل في هذا أنواع الطعن واللعن الجاري بتأويل سائغ أو غير سائغ كالتكفير والتفسيق ونحو ذلك مما يقع بين المتكلمين في أصول الدين وفروعه كما يقع بين أصناف الفقهاء والصوفية، وأهل الحديث وغيرهم من أنواع أهل العلم والنهى من كلام بعضهم في بعض تارة بتأويل مجرد، وتارة بتأويل مشوب بهوى، وتارة بهوى محض، بل تخاصم هذا الضرب بالكلام والكتب كتخاصم
غيرهم بالأيدي والسلاح وغيره، وهو شبيه بقتال أهل العدل والبغي، والطائفتين الباغيتين، العادلتين من وجه والباغيتين من وجه.


أيما مسلم شتمته أو لعنته، أو سببته أو جلدته


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع