مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (146)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


18/02/2024 القراءات: 298  


-ترجمة حاجي خليفة لنفسه:
ترجم حاجي خليفة لنفسه في كتابه «سلم الوصول إلى طبقات الفحول» فقال (3/ 447- 448):
«هو ‌العبد ‌المذنب الفقير إلى رحمة ربّه القدير: مصطفى بن عبدالله القسطنطيني المولد والمنشأ، الحنفي المذهب، الإشراقي المشرب، الشهير بين علماء البلد بكاتب جلبي، وبين أهل الديوان بحاجي خليفة.
ولما كان التحديث بنعمة الله من شكر النعمة كان بعض المشايخ يكتب ترجمته في آخر كتابه، كالسيوطي، والشعراني، وصاحب "الشقائق".
وممن ذكر نفسه في تأليفه الإمام عبد الغافر في "السياق"، وياقوت الحموي في "معجم الأدباء"، وابن الخطيب في "تاريخ غرناطة"، والتقي الفاسي في "تاريخ مكة"، وشيخ الإسلام ابن حجر في "قضاة مصر"، وجماعة لا يُحصون، وبعضهم أُفرد بالتأليف، فلا بأس عليّ بتسطير كلماتٍ في ما منَّ الله تعالى عليّ تقليدًا لهم وتحديثًا بنعمة ربّي.
فأقول: كان ولادتي على ما أخبرتني والدتي في يوم من أيام ذي القعدة سنة سبع عشرة وألف.
وكان والدي عبدالله دخل الحرم السلطاني وخرج بالوظيفة المعتادة ملحقًا إلى الزمرة السلحدارية، وصار يذهب إلى السفر ويجيء، قانعًا بتلك الوظيفة. وكان رجلًا صالحًا ملازمًا لمجالس العلماء والمشايخ، مصليًا، عابدًا في الليالي.
ولما بلغ سني إلى خمس أو ست، عيّنَ لي معلمًا لتعليم القرآن والتجويد وهو الإمام عيسى خليفة القريمي، فقرأت منه القرآن العظيم، و"المقدمة الجزرية" في التجويد، وشروط الصلاة، ثم أسمعت ما قرأته منه حفظًا في دار القراء لمسيح باشا، وللمولى زكريا علي إبراهيم أفندي ونفس زاده، واكتفيتُ بعرض النصف الأول.
ثم ابتدأتُ قراءة التصريف والعوامل على الإمام إلياس خواجه.
وتعلّمتُ الخط من الخطاط المعروف ببوكري أحمد جلبي.
ولما بلغ سني إلى أربعة عشر أعطاني أبي من وظيفته كل يوم عشرة دراهم وألحقني بزمرته وجعلني تلميذًا في القلم المعروف بمحاسبة أناطولي من أقلام الديوان، فأخذت قواعد الحساب والأرقام والسياقة من بعض الخلفاء فيه، وكنت أسبقه في مدة قليلة.
ثم لما خرج العسكر إلى قتال أبازة باشا سنة ثلاث وثلاثين وألف سافرتُ مع أبي وشاهدتُّ الحرب الواقعة في تلك السنة بناحية قيصرية.
ثم سافرتُ سفرة بغداد مع والدي وقاسيتُ الشدائد في المحاصرة مدة تسعة أشهر من الحروب والقتال وانقطاع الَامال، باستيلاء القحط والغلاء وغلبة الأعداء. ولكن البلية إذا عمّتْ طابتْ، ذلك تقدير العزيز العليم، ولما رجعنا ميؤوسين مخذولين ودخلنا الموصل مات والدي في يوم من أيام ذي القعدة سنة خمس وثلاثين وألف، وسِنّهُ في حدود الستين، ودُفن في مقابر الجامع الكبير.
ومات عمّي أيضًا بعد شهر في منزل جَرَّاحْلو بقرب من نصيبين.
ثم كنتُ رفيقًا مع بعض أقربائي إلى ديار بكر، فأقمتُ هناك.
وكان رجل من أصدقاء أبي يقال له محمد خليفة جعلني تلميذًا في القلم المعروف بمقابلة السواري". هذا ما كتبه ولم يكمل.
***
-الأسواق تشغل وتلهي:
قال الدينوري في «المجالسة وجواهر العلم» (6/ 386): «قال يحيى بن اليمان: كان سفيان الثوري إذا ذَكرَ النارَ ولهَ لذكرها، فكنا نُخرجه من منزله نديرُه في الأسواق، فإذا سكن عنه؛ رد إلى منزله».
***
-عنوان خطأ:
في خزانة داماد إبراهيم مخطوط برقم (383) كتب على غلافه أنه "صفة الصفوة". وليس هو "صفة الصفوة"، فليُنظر أي كتاب هو.
***
-أيام البخاري الأخيرة:
قال ابنُ الملقن في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (1/ 71-72):
«روى ابنُ عدي قال: سمعتُ عبدالقدوس بن عبدالجبار يقول: خرج البخاري إلى "خَرْتَنْك" وكان له بها أقرباء فنزل عندهم. ولعل البخاري قصد قرية بيكند أولًا، ثم انتهى به المطاف إلى خَرْتَنْك، وهي قرية كانت على فرسخين من سمرقند.
يقول عبدالقدوس بن عبدالجبار: سمعتُ البخاري ليلة من الليالي وقد فرغ من صلاة الليل يقول في دعائه: اللهم قد ضاقتْ علي الأرض بما رحبتْ فاقبضني إليك. قال: فما تم الشهر حتى قبضه الله.
ويروي وراقُ البخاري يقول: سمعتُ غالبًا بن جبريل وهو الذي نزل عليه ‌البخاري ‌بخرتنك يقول: "إنه أقام أيامًا فمرض، حتى وُجه إليه رسول من أهل سمرقند، يلتمسون منه الخروج إليهم، فأجاب وتهيأ للركوب ولبس خفيه، ولما مشى قدر عشرين خطوة أو نحوها إلى الدابة ليركبها وأنا آخذ بعضده قال: أرسلوني فقد ضعفتُ. فأرسلناه، فدعا بدعوات، ثم اضطجع فقضى، ثم سال منه عرق كثير، وكان قد قال لنا: كفنوني في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة. قال: ففعلنا، فلما أدرجناه في أكفانه وصلينا عليه ووضعناه في قبره، فاحتْ من تراب قبره رائحة طيبة كالمسك دامتْ أيامًا، وجعل الناس يختلفون إلى القبر أيامًا، يأخذون مِن ترابه إلى أن جعلنا عليه خشبًا مشبكًا».
***
-وظيفة المال:
جاء في «ربيع الأبرار ونصوص الأخيار» (5/ 82):
«ترك عبدالله بنُ المبارك دنانير وقال: اللهمّ ‌إنك ‌تعلمُ أني لم أجمعها إلّا لأصونَ بها حسبي، وديني».
***
-يعضُّ يد خادمه:
قال ابن حبان في «روضة العقلاء» (ص: 541-542):
«... حدثني ابن أبي سعيد عن شيخٍ له قال: رأيتُ ابن المبارك ‌يعضُّ يد خادمٍ له، فقلتُ له: تعضُّ يد خادمك؟! قال: كم آمره أن لا يعد الدراهم على السُّؤال، أقول له: احثُ لهم حثوًا».
وهذا مثالٌ مِن أمثلة كرمه وجوده ومعرفته بوظيفة المال.
***
هو ربنا أعطانا قليلًا!
ذكرني خبرُ ابن المبارك في الحثو بما حدثني به د. قطب عبدالحميد عن الشيخ الصالح أحمد عاشور مؤلف "الفقه الميسر" أنه كان جوادًا منفقًا، وكان يذبح في عيد الاضحى عجولًا كثيرةً ويفرِّق لحمها على الفقراء، وأمرَ أولادَه إذا طرق البابَ أحدٌ بعد نفاد اللحمِ ألا يقولوا له: نفدَ اللحم، وأنْ يعطوه مالًا يشتري به ما أحبَّ.
قال د. قطب: وسأله مرة فقيرٌ فمدَّ الشيخُ أحمد يدَه في جيبه فخرجتْ ورقة بقيمة عشرة جنيهات -وكانت ذات قيمة- فقلتُ له -همسًا- قبل أن يضعها في يد الفقير: هذه ورقة من فئة عشرة جنيهات! فقال الشيخ: (هو ربنا ادّانا شويه)! -هل أعطانا اللهُ قليلًا لنعطي قليلًا؟-
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع