مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


التنمية المستدامة من منظور الإسلام (2)

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


16/08/2024 القراءات: 144  


ولعل تقرير الإسلام لوجوب تحقيق التوازن الاقتصادي بين الاستهلاك والإنفاق دليل على أهمية الاستدامة في الفكر الاقتصادي الإسلامي قال الله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} [الإسراء:29]، وهو ما يفيد المحافظة على الثروات وتجنب تبديد الثروات بتحقيق التوازن بين الاستهلاك والإنفاق، وتحقيق التوازن في استهلاك الطاقة والمحافظة على الموارد الطبيعية.
ويوجه الإسلام كذلك المسلم إلى أهمية تحقيق الاستدامة البيئية، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما مِن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ منه طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ؛ إِلَّا كانَ له به صَدَقَةٌ) [رواه البخاري].
ويقول عليه الصلاة والسلام: (إنْ قامَتِ السَّاعةُ وفي يدِ أحدِكُم فَسيلةٌ فإنِ استَطاعَ أن لا تَقومَ حتَّى يغرِسَها فلْيغرِسْها) [رواه البخاري في الأدب المفرد].
والمسلم مدعو إلى الحفاظ على نظام بيئي متوازن بالحرص على مداومة الغرس والزرع وحماية الأرض من التصحر، والحفاظ على سلامة الأرض وما عليها من كائنات.
أما البعد الاجتماعي في التنمية المستدامة فيتمثل في تحقيق العدالة لجميع أفراد المجتمع، قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء:36].
ومن عدالة الإسلام تقريره أن الأرض وما عليها قسم مشترك بين البشر جميعاً بغض النظر عن ألوانهم وأعراقهم وأديانهم وأشكالهم، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء:70].
ومن هنا فإننا جميعاً مدعوون للتعاون الإنساني لردم فجوة الجوع وتوفير المياه للجميع.
ولا تقتصر التنمية المستدامة في الفكر الإسلامي على الجوانب المادية فقط بل هي أكثر شمولاً وأوسع مدى، فهي تتسع لتشمل الجوانب المعنوية والأخلاقية والثقافية؛ إذ التنمية المستدامة في الفكر الإسلامي تستوجب أن تتم التنمية في إطار الضوابط الدينية والقيم الأخلاقية والسلوكية، والتي تحول دون أي مبررات تفقدها استدامتها واستمرارها؛ ولما لها من تأثير واضح في تحقيق الحرية والعدالة وحفظ الكرامة الإنسانية، والشعور بالمسؤولية تجاه الإنسان ومقدرات الكون بكل ما فيه من خيرات وثروات.
وحينما نلقي نظرة للتنمية المستدامة من منظور الإسلام نجد أن البيئة وحمايتها تتمتع في الإسلام بالأمن الشامل الذي يحفظ فطرتها وبقاءها، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم من خلال العديد من آياته الكريمة، قبل أن يتوصل إلى ذلك العديد من العلماء والمفكرين، والفلاسفة البيئيين المعاصرين من أفكار ومفاهيم، سواء تعلقت بمفاهيم شمولية البيئة وما يقابلها من وحدة الكون، كما في قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:22].
وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة:164].
ومفهوم حماية البيئة تقابله مبدأ حراسة الأرض، كما في قول الله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس:14].
وقوله تبارك وتعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [الأعراف:85].
وقوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام:141].
وقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31].
إلى جانب إدارة الموارد واستغلالها برشد وعقلانية، حيث يعد مبدأ الاعتدال والوسطية إحدى المبادئ الرئيسة التي يقوم عليها سلوك الإنسان المسلم، وذلك استجابة لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا} [الفرقان:67].
وكذلك قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} [الإسراء:29].
ومنها استغلال الموارد وفق أسس العدل والمساواة، وفي ذلك يقول الله تعالى: {كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام:141].
وقال الله تعالى: {كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ} [طه:81].
وفي الحديث الشريف يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن كانَ معهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ به علَى مَن لا ظَهْرَ له، وَمَن كانَ له فَضْلٌ مِن زَادٍ، فَلْيَعُدْ به علَى مَن لا زَادَ له) [رواه مسلم].
ومن التنمية المستدامة التجديد والتعويض البيئي والنظر للمستقبل على أنه حاضر الغد، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ


التنمية المستدامة، الإسلام،، الْمُسْرِفِينَ، فلْيغرِسْها، الاستهلاك


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع