مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


سلسلة السيرة النبوية 🔻 غزوة أحد (3)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


06/03/2023 القراءات: 228  


يقول وحْشِي بن حرب‏:‏ "كنت غلاماً لجبير بن مُطْعِم، وكان عمه طُعَيمَة بن عدي قد أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أحد قال لي جبير‏:‏ إنك إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق‏.‏ قال‏:‏ فخرجت مع الناس ـ وكنت رجلاً حبشياً أقذف بالحربة قذف الحبشة، قلما أخطئ بها شيئاً ـ فلما التقي الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأوْرَق، يهُدُّ الناس هدّا ما يقوم له شيء‏.‏ فوالله إني لأتهيأ له أريده، فأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سِبَاع بن عبد العزي، فلما رآه حمزة رضي الله عنه قال له‏:‏ هلم إلى‏ فضربه ضربة فقتله "

قال‏:‏ "وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها إليه، فوقعت في ثُنَّتِه ـ أحشائه ـ حتى خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي فَغُلِبَ، وتركته وإياها حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت إلى المعسكر فقعدت فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة، وإنما قتلته لأعتق، فلما قدمت مكة عتقت ‏".‏

واستشهد آخرون في هذه المرحلة الأولى من القتال منهم حامل الراية داعية الإسلام مصعب بن عمير رضي الله عنه ، قال خباب رضي الله عنه:
"هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله، فمنا من مضى - أو ذهب - لم يأكل من أجره شيئا كان منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم يترك إلا نمرة (أي كساء) كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطى بها رجلاه خرج رأسه. فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: "غطوا بها رأسه واجعلوا الأذخر أو قال ألقوا على رجليه من الأذخر" (نبات معروف زكي الرائحة )
البخاري وكان الذي قتله ابن قمئة الليثي وهو يظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجع إلى قريش فقال: قتلت محمدًا، فلما قتل مصعب بن عمير رضي الله عنه أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه

وخرج حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه إلى القتال وهو جنب ، فضربه شداد بن الأسود فقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن صاحبكم، يعني حنظلة، لتغسله الملائكة، فسألوا أهله ما شأنه" ، فسئلت صاحبته عنه فقالت : خرج وهو جنب سمع الهاتف( داعى الجهاد )


قال ابن إسحاق: وأنزل الله تعالى نصره على المسلمين وصدقهم وعده حتى كشفوا المشركين عن العسكر وكانت الهزيمة لاشك فيها وولت النساء مشمرات هوارب.
قال ابن الزبير رضي الله عنه : (والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم (قدم) هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير)
وفي حديث البراء بن عازب في البخاري : (فلما لقيناهم هربوا حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل، يرفعن سوقهن قد بدت خلاخيلهن)
وتبع المسلمون المشركين يضعون فيهم السلاح ويأخذون الغنائم

وكانت للفصيلة التي عينها الرسول صلى الله عليه وسلم على جبل الرماة يد بيضاء في إدارة دفة القتال لصالح الجيش الإسلامي، فقد هجم فرسان مكة بقيادة خالد بن الوليد يسانده أبو عامر الفاسق ثلاث مرات؛ ليحطموا جناح الجيش الإسلامي الأيسر، حتى يتسربوا إلى ظهور المسلمين، فيحدثوا البلبلة والارتباك في صفوفهم وينزلوا عليهم هزيمة ساحقة، ولكن هؤلاء الرماة رشقوهم بالنبل حتى فشلت هجماتهم الثلاث‏.‏ وبينما كان الجيش الإسلامي يسجل مرة أخري نصراً ساحقاً على كفار قريش لم يكن أقل روعة من النصر الذي اكتسبه يوم بدر، وقعت من أغلبية فصيلة الرماة غلطة فظيعة قلبت الوضع تماماً، وأدت إلى إلحاق الخسائر الفادحة بالمسلمين، وكادت تكون سبباً في مقتل النبي صلى الله عليه وسلم

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصدر للرماة أوامر مشددة ، أن يلزموا مواقعهم من الجبل في كل حال من النصر أو الهزيمة ،وشدد عليهم ألا يبرحوها أبدا ولو رأوا الجيش تتخطفه الطير ، ولكن على رغم من هذه الأوامر المشددة لما رأي هؤلاء الرماة تقهقر المشركين وفرارهم و إقبال المسلمين على المغانم يأخذونها ، غلبت عليهم أثارة من حب الدنيا، فقال بعضهم لبعض‏:‏ الغنيمة، الغنيمة، ظهر أصحابكم، فما تنتظرون ‏؟‏

أما قائدهم عبد الله بن جبير رضي الله عنه، فقد ذكرهم أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال‏:‏ أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏
ولكنهم في لحظة يسيرة من لحظات الضعف الإنساني لم يسمعوا وظنوا أن ليس للمشركين رجعة، فذهبوا في طلب الغنيمة ، وقالوا‏:‏ والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة ‏. وأخلوا الثغر وخلوا ظهور المسلمين إلى الخيل

غـادر أربعون رجلاً أو أكثر من هؤلاء الرماة مواقعهم من الجبل، والتحقوا بسَوَاد الجيش ليشاركـوه فـي جمع الغنائم‏.‏ وهكذا خلت ظهور المسلمين، ولم يبق فيها إلا ابن جبير وتسعة أو أقل من أصحابه رضوان الله عليهم والتزموا مواقفهم مصممين على البقاء حتى يؤذن لهم أو يبادوا‏.‏

ولما رأى خالد بن الوليد قائد جناح المشركين يومئذ خلو المرتفع من الرماة انطلق ببعض فرقته فقتل من ثبت من الرماة وعلى رأسهم قائدهم عبد الله بن جبير رضي الله عنه ، واستولى على المرتفع وفاجأ المسلمين من الخلف مفاجأة أذهلتهم، ورأى الفارون من قريش هذا التغير المفاجئ فتراجعوا

وأسرعت امرأة منهم هي عمرة بنت علقمة فرفعت لواء المشركين المطروح على التراب ، فالتف حوله المشركون وتنادي بعضهم بعضا ،حتى اجتمعوا على المسلمين ،وثبتوا للقتال ،واحيط المسلمون من الأمام والخلف ، وفي لحظات مال ميزان الفوز في جانب المشركين؛ فقد انتفضت صفوف المسلمين واختلطوا من غير شعور وصار يضرب بعضهم بعضًا


سلسلة السيرة النبوية 🔻 غزوة أحد (3)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع