مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


17/06/2023 القراءات: 313  


وى البيهقي وغيره أن المهدي لما قدم المدينة حاجا جاءه مالك فسلم عليه فأمر المهدي ابنه موسى الهادي وهارون الرشيد أن يسمعا منه فطلباه إليهما فامتنع فعاتبه المهدي في ذلك فقال: يا أمير المؤمنين إن للعلم نضارة يؤتى أهله.
وفي رواية: العلم أهل أن يوقر ويؤتى أهله، فأمرهما والدهما بالمصير إليه، فسأله مؤدبهما أن يقرأ عليهما فقال: إن أهل هذه البلدة يقرءون على العالم كما يقرأ الصبيان على المعلم، فإذا أخطئوا أفتاهم، فرجعوا إلى الخليفة فعاتبه المهدي في ذلك فقال يا أمير المؤمنين سمعت ابن شهاب يقول سمعنا هذا العلم من رجال في الروضة وهو يا أمير المؤمنين سعيد بن المسيب وأبو سلمة وعروة والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وخارجة بن زيد وسليمان بن يسار ونافع مولى ابن عمر وابن هرمز، ومن بعدهم أبو الزناد وربيعة ويحيى بن سعيد وابن شهاب كل هؤلاء يقرأ عليهم ولا يقرءون، فقال المهدي: في هؤلاء قدوة، صيروا إليه فاقرءوا عليه، ففعلوا.
وقال سفيان بن عيينة لو أن أهل العلم طلبوه لما عند الله لهابهم الناس ولكن طلبوا به الدنيا فهانوا على الناس وقال سفيان: ما زال العلم عزيزا حتى حمل إلى أبواب الملوك وأخذوا عليه أجرا فنزع الله الحلاوة من
قلوبهم ومنعهم العمل به.
وقال ابن الجوزي ينبغي للعالم أن يصون العلم ولا يبذله ولا يحمله إلى الناس خصوصا إلى الأمراء، وروي عن القاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني أنه أنشد لنفسه:
يقولون لي فيك انقباض وإنما ... رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم ... ومن لزمته عزة النفس أكرما
ولم أقض حق العلم إن كان كلما ... بدا طمع صيرته لي سلما
وما كل برق لاح لي يستفزني ... ولا كل من في الأرض أرضاه منعما
إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى ... ولكن نفس الحر تحتمل الظما
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لأخدما
أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة ... إذا فاتباع الجهل قد كان أحزما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أذلوه فهان ودنسوا ... محياه بالأطماع حتى تجهما
وأرسل محمد بن سليمان أمير البصرة إلى حماد بن سلمة يطلب منه الحضور إليه لأجل مسألة وقعت له فأرسل إليه حماد إنا أدركنا العلماء وهم لا يأتون أحدا، فإن وقعت مسألة فأتنا فاسألنا عما بدا لك. والقصة مشهورة وفيها أن محمد بن سليمان جاء فجلس بين يديه ثم ابتدأ فقال: مالي إذا نظرت إليك امتلأت رعبا؟ فقال حماد: سمعت ثابتا البناني يقول: سمعت أنس بن مالك يقول سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن العالم إذا أراد بعلمه وجه الله هابه كل شيء، وإذا أراد أن يكثر به الكنوز هاب من كل شيء» والقصة طويلة وفيها أنه عرض عليه أربعين ألف درهم فلم يقبلها لنفسه ولا ليقسمها ويفرقها.
وأنشد بعضهم:
إذا شئت أن تستقرض المال منفقا ... على شهوات النفس في زمن العسر
فسل نفسك الإنفاق من كنز صبرها ... عليك وإرفاقا إلى زمن اليسر
فإن فعلت كنت الغني وإن أبت ... فكل منوع بعدها واسع العذر
وقال أبو الحارث لأبي عبد الله فترى الرجل أن يرحل لطلب العلم قال نعم قد رحل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم.
وروى عنه الخلال أنه سئل عن رجل يقيم ببلدة وينزل في الحديث درجة قال ليس طلب العلم هكذا لو طلب العلم هكذا مات آثما، يؤخذ العلم عن الأكابر.
وعن سعيد بن المسيب قال إن كنت لأسافر مسيرة الليالي والأيام في الحديث الواحد وقال أبو قلابة لقد أقمت بالمدينة ثلاثة أيام ما لي حاجة إلا رجل يقدم عنده حديث فأسمعه. وعن الشعبي قال لو أن رجلا سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن فسمع كلمة تنفعه فيما يستقبل من أمره ما رأيت سفره ضاع.
وفي الصحيحين من حديث الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي «ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين، عبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه ورجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي ورجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها فتزوجها» ثم قال الشعبي: خذها بغير شيء فقد كان الرجل يرحل في مثلها إلى المدينة يعني من الكوفة. وأشار البخاري إلى حديث عبد الله بن أنيس وإن جابرا رحل إليه شهرا في حديث واحد. وهذا الحديث رواه الإمام أحمد من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه ابتاع بعيرا وسار شهرا إلى عبد الله بن أنيس، والحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «يقول الله تعالى يوم القيامة: أنا الله أنا الملك أنا الديان» . وذكر الحديث. وقد رحل الشافعي وأحمد وغيرهما من الأئمة قديما وحديثا تقبل الله تعالى منهم. وعن عمران بن حصين قال: «دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعقلت ناقتي بالباب فتاهت فآتاه ناس من بني تميم فقال: اقبلوا البشرى يا بني تميم قالوا: بشرتنا فأعطنا، مرتين، فتغير وجهه، ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن فقال اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا: قبلنا يا رسول الله، قالوا جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر قال
كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض وكتب في الذكر كل شيء ثم أتاني رجل فقال يا عمران أدرك ناقتك فقد ذهبت، فانطلقت أطلبها فإذا السراب ينقطع دونها وأيم الله لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم.»
قال ابن هبيرة: فيه الرحلة في طلب العلم، وجواز السؤال عن كل ما لا يعلمه، وجواز العدول عن سماع العلم إلى ما يخاف فواته؛ لأن عمران قام عن المجلس لأجل ناقته فلم ينكر عليه، وجواز إيثار العلم على ذلك لقول عمران وددت أنها ذهبت ولم أقم.


ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع