مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (139)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


28/01/2024 القراءات: 577  


معجزة القرآن:
قال الحافظ في «فتح الباري» (9/ 6):
«قوله: "وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إلي":
أي إن معجزتي التي ‌تحديتُ ‌بها الوحي الذي أنزل علي، وهو القرآن، لما اشتمل عليه من الإعجاز الواضح.
وليس المراد حصر معجزاته فيه، ولا أنه لم يؤت من المعجزات ما أوتي مَن تقدمه، بل المراد أنه المعجزة العظمى التي اختصَّ بها دون غيره، لأن كل نبي أعطيَ معجزة خاصة به لم يعطها بعينها غيرُه، تحدى بها قومه، وكانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه كما كان السحر فاشيًا عند فرعون فجاءه موسى بالعصا على صورة ما يصنع السحرة لكنها تلقفتْ ما صنعوا ولم يقع ذلك بعينه لغيره.
وكذلك إحياء عيسى الموتى وإبراء الأكمه والأبرص لكون الأطباء والحكماء كانوا في ذلك الزمان في غاية الظهور، فأتاهم مِن جنس عملهم بما لم تصل قدرتهم إليه.
ولهذا لما كان العرب الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم في الغاية من البلاغة جاءهم بالقرآن الذي تحداهم أن يأتوا بسورة مثله فلم يقدروا على ذلك.
وقيل: المراد أن القرآن ليس له مثل لا صورة ولا حقيقة بخلاف غيره من المعجزات فإنها لا تخلو عن مثل.
وقيل: المراد أن كل نبي أعطي من المعجزات ما كان مثله لمن كان قبله صورة أو حقيقة والقرآن لم يؤت أحد قبله مثله فلهذا أردفه بقوله فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا.
وقيل: المراد أن الذي أوتيته لا يتطرق إليه تخيلٌ وإنما هو كلام معجز لا يقدر أحد أن يأتي بما يتخيل منه التشبيه به بخلاف غيره فإنه قد يقع في معجزاتهم ما يقدر الساحر أن يخيل شبهه فيحتاج من يميز بينهما إلى نظر والنظر عرضة للخطأ فقد يخطئ الناظر فيظن تساويهما.
وقيل: المراد أن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم فلم يشاهدها إلا من حضرها، ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة وخرقه للعادة في أسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيبات فلا يمر عصر من الأعصار إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون يدل على صحة دعواه وهذا أقوى المحتملات وتكميله في الذي بعده.
وقيل: المعنى أن المعجزات الماضية كانت حسية تشاهد بالأبصار كناقة صالح، وعصا موسى، ومعجزة القرآن تُشاهد بالبصيرة فيكون مَن يتبعه لأجلها أكثر؛ لأن الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهدِه، والذي يشاهد بعين العقل باق يشاهده كل مَنْ جاء بعد الأول مستمرًّا.
قلتُ [القائل ابن حجر]: ويمكن نظم هذه الأقوالِ كلِّها في كلام واحد، فإن محصلها لا ينافي بعضه بعضًا.
قوله: "فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة":
رتَّب هذا الكلام على ما تقدَّم من معجزة القرآن المستمرة لكثرة فائدته وعموم نفعه لاشتماله على الدعوة والحجة والإخبار بما سيكون، فعم نفعه مَن حضر ومَن غاب ومَن وجد ومَن سيوجد، فحسن ترتيب الرجوى المذكورة على ذلك، وهذه الرجوى قد تحققت، فإنه أكثر الأنبياء تبعًا وسيأتي بيان ذلك واضحًا في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى».
***
تداخل العلوم:
قال العلامة أحمد بن علي الدَّلجي في كتابه «الفلاكة والمفلوكون» (ص: 41):
«الكتاب والسُّنة والحكم الشرعي ‌مفتقرٌ إلى العلوم بأسرها.
وبيانُه: أنه بالنظر إلى [اللفظ] المفرد الذي يُستدل به، وصحتهِ في حالة إفراده يفتقرُ إلى علم الصرف.
وأن النظر في صحة التركيب يفتقرُ إلى علم النحو.
وفي تطبيق اللفظ على مدلوله يفتقرُ إلى علم اللغة.
وفي إظهاره وإضماره والتفاته وتقديمه وتأخيره ونحوها -ممّا يرجع إلى مطابقة اللفظ لمقتضى الحال- إلى علم المعاني.
وفي حقيقته ومجازه وكنايته واستعارته ونحوها -ممّا يرجع إلى إيراد العلمين- إلى علم البديع.
وبالنظر إلى [إيراد] المعنى الواحد في طرقٍ مختلفةٍ في وضوح الدلالة إلى علم البيان.
وبالنظر في خاصّه وعامّه، ومطلقه ومقيده، ومجمله ونحو ذلك إلى علم أصول الفقه.
وفي مواقع القرآن إلى أسباب النزول.
وفي استيضاح معانيه إلى علم التفسير.
وفي نزوله على حروفٍ متعددة إلى علم القراءات.
وفي الاستدلال به وترتيب الأدلة إلى علم المنطق، والجدل، وآداب البحث.
وفي الأحكام المستفادة منه وبواسطته إلى الفقه.
وفي استنباط الفقه إلى أصول الفقه.
وأن النظر في السُّنة يستلزمُ علمَ رواية السُّنة، وحفظها، وعلم الحديث، والناسخ والمنسوخ، وأسماء الرواة، وكناهم، وألقابهم، ومشتبه أنسابهم، وجرحهم وتعديلهم، ووفياتهم، والأخبار، والقصص.
وأنّ النظر في الشارع يفتقرُ إلى علم الكلام.
ثم إنَّ العلوم بعضها مربوطٌ ببعض ومتعلقٌ به، إما على سبيل الاستلزام، أو على سبيل الاستمداد.
وهذه العلوم المذكورة تستلزم جملةً من علوم الحكماء والأوائل، ولو بواسطة أو وسائط:
كاستلزامِ الفقهِ بواسطةِ الفرائضِ والإقراراتِ المجهولةِ: علمَ الحساب، -وهو الارتماطيقي- وعلمَ الجبر والمقابلة، وبواسطةِ اختلافِ أحكامِ الوصيةِ وما في معناها بالمرضِ المخوفِ وغيرهِ وإباحةِ التيممِ بالمرضِ ونحوهِ إلى علم الطب.
وكاستلزام علم الكلام للطبيعة، والرياضة، والمنطق.
وكاستلزام تعيين معرفة القِبلة على كل واحدٍ -في رأي الرافعي-، أو على مريد السفر -في رأي النووي- وهو من الفقه، معرفةَ طائفةٍ من الهيئةِ، وكذلك معرفة دخول الوقت.
واستلزامِ الاستشهادِ بالشعرِ في النحوِ والتفسيرِ علمَ العروض.
وعلى هذا القياس قسْ تجدْ العلوم مرتبطة بعضُها ببعض بالاستلزام أو الاستمداد».
***
نفائس من مجالس:
نقلت من "مجالس ابن ناصر الدين الدمشقي في تفسير قوله تعالى: (لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولًا)":
-محدث يحمل ابنه ليُعرف سماعه (ص: 129). والجواهر والدرر (2/ 700).
-حديث خزيمة أخرجه ابن خزيمة (ص: 116 تعليقًا).
-قول ثابت ليس بثابت (ص: 126).
-المن أخو المن (ص: 133).
***
أثر المكان في العالم:
قال أحمد للبخاري: تدع العلم والناس وتصير إلى خراسان؟
وفي «طبقات الشافعية الكبرى للسبكي» (8/ 210): «فقال له: بلدك صغير على علمي».
وآخر قعدتْ به الدينور.
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع