مدونة محمد سلامة الغنيمي


مدارس اللغات: تجارة مربحة على حساب مستقبل أجيالنا

د. محمد سلامة الغنيمي | Dr. Mohammed Salama Al-Ghonaimi


10/07/2024 القراءات: 7  



هل تعلم أن طفلاً بلا لغة أم أشبه بشجرة بلا جذور؟
في خضمّ التهافت على تعليم اللغات الأجنبية، نغفل أحيانًا عن جوهر التعليم وهدفه الأسمى، وهو بناء إنسان متمكن من لغته الأم، فخور بثقافته، قادر على التفكير النقدي والإبداع.
تنتشر مدارس اللغات في بلادنا العربية كالفطر، مدّعيةً أنها تفتح أبواب المستقبل لأبنائنا. لكن هل تساءلنا يومًا عن الثمن الذي ندفعه مقابل هذه الوعود البراقة؟
في هذا اللقاء، سنكشف النقاب عن الوجه الخفي لمدارس اللغات، ونُسلّط الضوء على مخاطرها الجسيمة على حاضر ومستقبل أجيالنا.
استعدّ لرحلة تنقّب عميقة في خفايا هذا الموضوع الشائك، واكتشف حقائق قد تُغيّر نظرتك تمامًا إلى "تجارة اللغات" التي تُقام على حساب مستقبل أجيالنا.
شرعت دولة المغرب في مدارس اللغات جزئيا، واستقدمت مدرسين فرنسيين لتحقيق هذا الغرض من خلال تخصيص مدارس للتعليم الفرنسي، وحاولت بعد فترة تعميم التجربة، فاستقدمت الحكومة المغربية لجنة من خبراء البنك الدولي للإنشاء والتعمير، بقصد الاستشارة، فكان رأيها أن ازدواجية التعليم هو ما يستنزف مالية المغرب، فضلا عن كونها السبب في هبوط مستوى التعليم، وأوصت اللجنة باعتماد لغة البلاد اللغة الأساسية للتعليم.
أريدك أن تعلم أن جميع دول العالم لا تقبل تعليم أبنائها بلغات أخرى غير لغتها القومية، إلا بعد انتهاء فترة الطفولة، ولم نعلم أن دولة واحدة في هذا العالم تعلم أبناءها بلغة غير لغتها القومية، سوى في بعض بلداننا العربية، بل إن الكيان الإسرائيلي نفسه الذي أحي لغته العبرية الميتة من آلاف السنين، وجعلها لغة قومية للتعليم، لا يسمح لأي لغة أن تزاحم العبرية لا في التعليم ولا في السياسة والإعلام، ومع ذلك إسرائيل كيان متقدم علميا عن جميع الدول العربية.
في فنلندا - الأولى عالميا في التعليم - يقدم تعليم لغة المهاجر الأم على اللغة الفنلندية نفسها، قالت وزيرة التعليم الفنلندية هِنا فركونين في معرض حديثها عن تعليم أطفال المهاجرين: "نحن نؤمن بأن تعليم المرء لغته الأم - ليتمكن من استخدامها في الكتابة والقراءة والتفكير - أمر مهم للغاية. ومن ثم يغدو تعلم لغات أخرى كالفنلندية والإنجليزية أو مواد أخرى أسهل أيضا."
1. هناك ارتباط عضوي بين اللغة الأم والفكر، وأن كلاهما مرتبط بالآخر، والتعليم بلغة أجنبية يؤثر على اللغة الأم، ومن ثم الفكر.
2. اللغة وعاء للثقافة تضم في بنياتها قيم ومعتقدات وعادات أصحاب اللغة الأصليين، والطفل لم يتكون لديه أداة ترشيح وانتقاء ما يتوافق مع ثقافته وما يتعارض، ومن ثم يحدث للطفل مع ذلك نوعا من التفكيك الثقافي، بل إلى الذوبان في الآخر، وازدراء الذات.
3. التعليمَ باللغات الأجنبية للأطفال دون سن الثانية عشرة يؤدي إلى حدوث التشويش اللغوي لديهم فتختلف عليهم الحروف العربية والحروف الأجنبية، وتوجد دراسات حول قضية الازدواج اللغوي وخطورة هذا الازدواج على هوية الطفل وانتمائه الحضاري؛ لأن فرنجة اللسان يستتبعها فرنجة العقل والسلوك، وهنا مكمن الخطورة، وتؤكد الدراسات على ضرورة أن يتعلم الطفل في بدايات حياته باللغة العربية حتى إذا أتقنها اتقانًا تامًّا نبدأ في تعليمه اللغات الأجنبية حتى لا يُعاني الازدواج اللغوي.
4. نمو اللغة الأم عند الطفل يحدد بدرجة كبيرة نظرته للحياة وتصوراته عن كل شيء؛ لأنها الفترة التي يبذل فيها الطفل جهده لامتلاك ناصية اللغة، ولا يمكن لطفل في الروضة بالكاد بدأ يتعلم المشي، أن يتلقى العلوم بلغة أجنبية.
5. يفكر الإنسان من خلال الرموز البيانية التي ترتبط بالأشياء، سواء أكان ذلك بالرموز اللفظية أو بالصور والأشكال والنماذج والإشارات، وفي ربط التعليم بلغة غير اللغة التي يفكر بها عبء إضافي على المتعلم، قد يؤدي في النهاية إلى مشكلات تربوية أكثر صعوبة.
6. زيادة التركيز على اللغة الأجنبية على حساب اللغة العربية، قد يؤدي إلى ضعف إتقانها لدى الطلاب، وعدم الاهتمام بتطوير مهارات اللغة العربية مثل الكتابة والقراءة والنحو، كما قد يؤدي ذلك شعور الطلاب بالدونية تجاه لغتهم الأم.
7. وجود معاهد اللغات بمصروفات أعلى بجانب المعاهد النموذجية والعادية يؤدي ترسيخ الطبقية التي حاربها الأزهر منذ إنشائه، كما أن ارتفاع تكلفة الدراسة في معاهد اللغات، مما يجعلها بعيدة عن متناول الكثير من الأسر، وبالتالي شعور بعض الأسر بالضغط المالي لتوفير التعليم لأبنائهم في هذه المدارس.
8. التعليم بلغات أجنبية يؤدي إلى اتباع أساليب تقليدية في التعليم تعتمد على الحفظ والتلقين، مما يقتل الإبداع والتفكير النقدي لدى الطلاب، وعدم الاهتمام بتطوير مهارات التفكير العليا مثل حل المشكلات واتخاذ القرار.
9. التركيز على اللغة الأجنبية والثقافة الأجنبية قد يؤدي إلى شعور الطلاب بالاغتراب عن ثقافتهم العربية، عدم وجود برامج وأنشطة كافية لتعزيز الهوية العربية لدى الطلاب.
10. عدم الاهتمام بالتربية الدينية، مما قد يؤدي إلى ضعف الوازع الديني لدى الطلاب، عدم وجود برامج وأنشطة كافية لتعزيز القيم الدينية والأخلاقية لدى الطلاب؛ نظرا للأعباء الإضافية التي يفرضها التعلم بلغات أجنبية على الطفل.
11. قلة فرص التواصل الاجتماعي بين الطلاب بسبب التركيز على اللغة الأجنبية، عدم وجود برامج وأنشطة كافية لتنمية مهارات التواصل الاجتماعي لدى الطلاب، وذلك خطر عظيم يؤدي إلى تفكيك المجتمع.
12. الاعتماد على المعلم كمصدر وحيد للمعرفة، مما يضعف مهارات التعلم الذاتي لدى الطلاب، عدم وجود برامج وأنشطة كافية لتنمية مهارات التعلم الذاتي لدى الطلاب.
13. الضغط الدراسي الكبير في مدارس اللغات قد يؤثر على صحة الطلاب النفسية، عدم وجود برامج وأنشطة كافية لدعم صحة الطلاب النفسية.


تعليم، تربية، لغة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع