مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم
رَمضْان؛أرواحناظَمأى وفَوقَ أكفِّكَ الرَّيانُ(2)
باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM
25/03/2023 القراءات: 377
بلوغ شهر رمضان، وصيامه نعمة عظيمة، ويدل عليه حديث الثلاثة الذين استشهد اثنان منهم، ومات الثالث بعدهما على فراشه، فرؤي في المنام سابقًا لهما، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أليس صلى بعدهما كذا وكذا صلاة، وأدرك رمضان فصامه؟ فوالذي نفسي بيده إن بينهما لأبعد مما بين السماء والأرض» رواه أحمد وغيره.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ودخل رمضان، يا رسول الله، فما أقول: قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» .
جاء رمضان، فيه الأمان والعتق والفوز بسكنى الجنان. من لم يربح في هذا الشهر ففي أي وقت يربح؟ من لم يقرب فيه لمولاه فهو على بعده لا يبرح، من رحم في هذا الشهر فهو المرحوم، ومن حرم خيره فهو المحروم.
أتى رمضان مزرعة العباد ... لتطهير القلوب من الفساد
فأدِّ حقوقه قولا وفعلا ... وزادَك فاتخذه للمعاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها ... تأوه نادمًا عند الحصاد
وعن أبي جعفر بن علي رضي الله عنه، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استهل شهر رمضان استقبله بوجهه، ثم يقول: «اللهم أَهِِلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والعافية المجللة، ودفاع الأسقام، والعون على الصلاة والصيام، وتلاوة القرآن. اللهم سلمنا لرمضان وسلمه لنا،
وتسلمهُ منا، حتى يخرج رمضان وقد غفرتَ لنا ورحمتنا وعفوت عنا» أخرجه ابن عساكر.
وروى ابن النجار عن الحارث الأعور، عن علي رضي الله عنه، أنه كان إذا نظر إلى الهلال قال: اللهم إني أسألك خير هذا الشهر، وفتحه ونصره وبركته، ورزقه ونوره وظهوره، وأعوذ بك من شره وشر ما بعده.
في فضل صوم شهر رمضان
في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. قال الله تعالى: إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك» .
وفي رواية: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي» .
وفي رواية للبخاري: «لكل عمل كفارة، والصوم لي، وأنا أجزي به» .
ولأحمد: «كل عمل ابن آدم كفارة إلا الصوم، والصوم لي، وأنا أجزي به» .
فعلى الرواية الأولى: يكون استثناء الصوم من الأعمال المضاعفة، فتكون الأعمال تضاعفُ بعشر أمثالِها إلى سبعمائَةِ ضعفٍ إلا الصوم، فإنه لا ينحَصرُ تضعيفه، بل يضاعِفه الله أضعافًا كثيرةً. فإن الصيام من الصبر، وقد قال الله تعالى:
{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} .
ولهذا روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه قال: «شهر رمضان شهر الصبر» وعنه أنه قال: «الصوم نصف الصبر» رواه الترمذي.
والصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، وتجتمع الثلاثة كلها في الصوم. وتقدم في حديث سلمان: «هو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة» وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعًا: «الصيام لله، لا يعلم ثوابه إلا الله» .
واعلم أن مضاعفة الأجر للأعمال تكون بأسباب.
منها: شرف المكان المعمول فيه ذلك العمل، كالحرم، ولذلك تضاعف الصلاة في مسجديْ مكة والمدينة، كما ثبت في الصحيح «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام» وفي رواية «فإنه أفضل» ولذلك روي أن الصيام يضاعف بالحرم. وفي سنن ابن ماجه بإسناد ضعيف. عن ابن عباس مرفوعًا: «من أدرك رمضان بمكة فصامه وقام منه ما تيسر: كتب الله له مائة ألف شهر رمضان فيما سواه» وذكر له ثوابًا كثيرًا.
ومنها: شرف الزمان، كشهر رمضان وعشر ذي الحجة وتقدم في حديث سلمان في فضل شهر رمضان «من تطوع فيه بخصلة من خصال الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه» .
وفي الترمذي عن أنس رضي الله عنه، سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الصدقة أفضلُ؟ قال: «صدقة في رمضان» .
وفي الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «عمرة في رمضان، تعدل حجة» أو قال: «حجة معي» ، وروي في حديث «أن عمل الصائم مضاعف» .
وذكر ابن أبي مريم عن أشياخه: أنهم كانوا يقولون: إذا حضر شهر رمضان فانبسطوا فيه بالنفقة، فإن النفقة فيه مضاعفة كالنفقة في سبيل الله، وتسبيحةٌ أفضل من ألف تسبيحة في غيره.
قال النخعي: صوم يوم من رمضان أفضل من ألف يوم، وتسبيحةٌ فيه أفضل من ألف تسبيحة، وركعة فيه أفضل من ألف ركعة.
فلما كان الصيام في نفسه مضاعفًا أجره بالنسبة على سائر الأعمال، كان صيام شهر رمضان مضاعفًا على سائر الصيام، لشرف زمانه، وكونه هو الصوم الذي فرضه الله على عباده، وجعل صيامه أحد أركان الإسلام التي بني الإسلام عليها.
وقد يضاعف الثواب بأسباب أخر، منها: شرف العامل عند الله وقربه منه، وكثرة تقواه، كما ضوعف أجر هذه الأمة على أجور من قبلهم من الأمم. وأما على الرواية الثانية: فاستثناء الصيام يرجع إلى أن سائر الأعمال للعباد، والصيام اختصه الله لنفسه كما يأتي، وأما الرواية الثالثة: فالاستثناء يعود إلى التكفير بالأعمال.
ومن أحسن ما قيل في ذلك: ما قاله سفيان، قال: هذا من أجود الأحاديث وأحكمها «إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده، ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى لا يبقى إلا الصوم، فيتحمل الله - عز وجل - ما بقي من المظالم، ويدخله بالصوم الجنة» رواه البيهقي وغيره.
وعلى هذا فيكون المعنى: أن الصيام لله - عز وجل -، فلا سبيل لأحد إلى أخذ أجره من الصيام، بل أجره مدخر لصاحبه عند الله، وحينئذ فقد يقال: إن سائر الأعمال قد يكَّفرُ بها ذنوب صاحبها، فلا يبقى له أجر، فإنه روي: «إنه يوازن يوم القيامة بين الحسنات والسيئات، ويقص بعضها من بعض.
فإن بقي حسنة دخل بها صاحبها الجنة» ، وفيه حديث مرفوع فيحتمل أن يقال في الصوم: إنه لا يسقط ثوابهُ بمقاصة ولا غيرها، بل يوفَّر أجرهُ لصاحبه حتى يدخل الجنة، فيوفى أجرُه فيها.
وأما قوله: «فإنه لي» فإن الله خص الصيام بإضافته إلى نفسه دون سائر الأعمال؛ وذكر في معنى ذلك وجوه،
رَمضْان؛أرواحناظَمأى وفَوقَ أكفِّكَ الرَّيانُ(2)
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع