مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


زن واعلم من أي الفريقين أنت...

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


16/12/2022 القراءات: 501  


أقام الله سبحنه هذا الخلق بين الأمر والنهي والعطاء والمنع فافترقوا فرقتين ، فرقه قابلت أمره بالترك ، ونهيه بالارتكاب ، وعطاءه بالغفلة ، عن الشكر ومنعه بالسخط وهؤلاء أعداؤه ، وفيهم من العداوة بحسب ما فيهم من ذلك .

وقسم قالوا إنما نحن عبيدك ، فإن أمرتنا سارعنا إلى الإجابة ، وإن نهيتنا أمسكنا نفوسنا وكففناها عما نهيتنا عنه وإن أعطيتنا حمدناك وشكرناك ، وإن منعتنا تضرعنا إليك وذكرناك ، فليس بين هؤلاء وبين الجنة إلا ستر الحياة الدنيا ، فإذا مزقه عليهم الموت ، صاروا إلى النعيم المقيم وقرة العين ، كما أن أولئك ليس بينهم وبين النار إلا ستر الحياة ، فإذا مزقه الموت صاروا إلى الحسرة والألم .
فإذا تصادمت جيوش الدنيا والآخرة في قلبك وأردت أن تعلم من أي الفريقين أنت ، فانظر مع من تميل منهما ، ومع من تقاتل ، إذ لا يمكنك الوقوف بين الجيشين ، فأنت مع أحدهما لا محالة .
ففريق منهم استغشوا الهوى فخالفوه ، واستنصحوا العقل فشاوره ، وفرغوا قلوبهم للفكر فيما خلقوا له ، وجوارحهم للعمل بما أمروا به ،

وأوقاتهم لعمارتها بما يعمر منازلهم في الآخرة ، واستظهروا على سرعة العمل بالمبادرة إلى الأعمال ، وسكنوا الدنيا وقلوبهم مسافرة عنها ، واستوطنوا الآخرة قبل انتقالهم إليها .

واهتموا بالله وطاعته على قدر حاجتهم إليه ، وتزودوا للآخرة على قدر مقامهم فيها ، فجعل لهم سبحانه من نعيم الجنة وروحها أن آنسهم بنفسه ، وأقبل بقلوبهم إليه ، وجمعها على محبته ، وشوقهم إلى لقائه ونعمهم بقربه ، وفرغ قلوبهم مما ملأ قلوب غيرهم من محبة الدنيا والهم والحزن على فوتها ، والغم من خوف ذهابها ، فاستلانوا ما استوعره المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، صحبوا الدنيا بأبدانهم والملأ الأعلى بأرواحهم على حد قول الشاعر :
وصاحبوها بأبدان قلوبهم
طير لها في ضلال العرش أوكار
فمن الناس من يكون سيد عمله وطريقه الذي يعد سلوكه إلى الله طريق العلم والتعليم قد وفر عليه زمانه مبتغيا به وجه الله فلا يزال كذلك عاكفا على طريق العلم والتعليم حتى يصل من تلك الطريق إلى الله ويفتح له فيها الفتح الخاص أو يموت في طريق طلبه فيرجى له الوصول إلى مطلبه بعد مماته قال تعالى : ﴿ ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ﴾ .
وقد حكي عن جماعة كثيرة ممن أدركه الأجل وهو حريص طالب للقرآن أنه رؤي بعد موته وأخبر أنه في تكميل مطلوبه وأنه يتعلم في البرزخ فإن العبد يموت على ما عاش عليه .

ومن الناس من يكون سيد عمله الذكر وقد جعله زاده لمعاده ورأس ماله لمآله فمتي فتر عنه أو قصر رأي أنه قد غبن وخسر .
ومن الناس من يكون سيد عمله وطريقة الصلاة فمتي قصر في ورده منها أو مضي عليه وقت وهو غير مشغول بها أو مستعد لها أظلم عليه وقته وضاق صدره .
ومن الناس من يكون طريقه الإحسان والنفع المتعدي كقضاء الحاجات وتفريج الكربات وإغاثة اللهفات وأنواع الصدقات قد فتح له في هذا وسلك منه طريقا إلي ربه .
ومن الناس من يكون طريقه الصوم فهو متى أفطر تغير عليه قلبه وساءت حاله .
ومن الناس من يكون طريقه تلاوة القرآن وهي الغالب على أوقاته وهي أعظم أوراده .
ومنهم من يكون طريقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد فتح الله له فيه ونفذ منه إلى ربه .
ومنهم من يكون طريقه الذي نفذ فيه الحج والاعتمار .

ومنهم من يكون طريقه قطع العلائق وتجريد الهمة ودوام المراقبة ومراعاة الخواطر وحفظ الأوقات أن تذهب ضائعة .
ومنهم جامع المنفذ السالك إلى الله في كل واد الواصل إليه من كل طريق فهو جعل وظائف عبوديته قبلة قلبه ونصب عينه يؤمها أين كانت ويسير معها حيث سارت قد ضرب مع كل فريق بسهم فأين كانت العبودية وجدته هناك إن كان علم وجدته مع أهله أو جهاده وجدته في صف المجاهدين أو صلاة وجدته في القانتين أو ذكر وجدته في الذاكرين أو إحسان ونفع وجدته في زمرة المحسنين أو محبة ومراقبة وإنابة إلي الله وجدته في زمرة المحسنين المنيبين . يدين بدين العبودية أني استقلت ركائبها ويتوجه إليها حيث استقرت مضاربها لو قيل له : ما تريد من الأعمال ؟ لقال أريد أن أنفذ أوامر ربي حيث كانت وأين كانت جالبة ما جلبت مقتضية ما اقتضت جمعتني أو فرقتني .
ليس لي مراد إلا تنفيذها والقيام بأدائها مراقبا له فيها عاكفا عليه بالروح والقلب والبدن والسر قد سلمت إليه المبيع منظرا منه تسليم الثمن ﴿ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ﴾ فهذا هو العبد السالك إلى ربه النافذ إليه حقيقة .
ومعني النفوذ إليه أن يتصل به قلبه ويعلق به تعلق المحب التام المحبة بمحبوبه فيسلوا به عن جميع المطالب سواه فلا يبقي في قلبه إلا محبة الله وأمره وطلب التقرب إليه )) وصلي الله علي محمد وآله وصحبه أجمعين . نكمل غدا إن شاء الله.


زن واعلم من أي الفريقين أنت...


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع