مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


كيف تبنى الأوطان؟ - رابعاً: وحدة الصف –

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


14/02/2025 القراءات: 3  


كيف تبنى الأوطان؟ - رابعاً: وحدة الصف –
لا زلنا نتحدث عن سلسلة مقومات بناء الأوطان، وحديثنا اليوم عن بناء الأوطان بوحدة الكلمة وكلمة التوحيد، حيث تبنى الأوطان باجتماع الكلمة ووحدة الصف وهي من الأمور المهمة التي حث عليها الدين الحنيف، وأمرت بها الأدلة من كتاب الله عز وجل ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وإن التفرق يشل حركة المجتمع ويوهن البناء ويضعف الشوكة، ولا بد من الحرص من الأهواء، والحرص على الحب والإخاء؛ لأن اتبـاع الأهواء يفرق، والحب والإخاء يجمع.
قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]،
هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج، قبيلتان من القبائل التي أسلمت في عهد النبي، وكان بينهم حروب طاحنة، لما أسلموا صاروا كما قال الله تعالى: {بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}. حاول يهودي أن يفرق بينهم، لما رآهم متفقين متآلفين ساءه ذلك، فبعث رجلاً معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكرهم بما كان بينهم من حروب، وهذا شأن اليهود، يحاولون دائماً التفريق بين المسلمين، ويعملون جاهدين على تمزيق وحدتهم.
فانظروا ماذا فعل هذا الخبيث، وهكذا دائماً يفعل اليهود من خلال قنواتهم، أو من خلال وسـائل إعلامهم، أو حتى عن طريق أذنابهم من بني جلدتنا الذين يتكلمون بألسنتنا، والذين يلجؤون إليهم ويتلقونهم بالأحضان، ليستعملوهم من أجل تفريق كلمة المسلمين
أرسل اليهودي رجلاً ليفرق بينهم، فأثر ذلك الخبيث حتى حميت نفوس القوم، وغضب بعضهم على بعض، فثاروا وحملوا السلاح، وتواعدوا الحرة، فعلم النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ يسكنهم ويقول: (أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟!) وتلا عليهم الآية، فندموا واصطلحوا وتعانقوا رضي الله عنهم وأرضاهم.
يقول النبي عليه الصلاة والسـلام: (لا تباغضوا، ولا تحاسـدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) [متفق عليه]، فاجتماع الكلمة من الأمور المهمة التي يجب وينبغي أن تكون بين المسلمين، وكما قيل: المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، ولهذا حرم الله عز وجل كل أمر من شأنه التفريق.
ولكي ندرك اهتمام الدين بوحدة الكلمة والحرص على عدم الفرقة والتحذير من الاختلاف نتأمل هذا الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي قال :(تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا).
فالحمد لله القوي العزيز الذي هدى المؤمنين لتوحيده، ووفقهم لطاعته، وجمع كلمتهم على دينه، فبشريعته يجتمعون، وبتركها أو تفريقها يفترقون قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 63]، قال الشاعر:
وما المرء إلا بإخوانه كما تقبض الكف بالمعصم
ولا خير في الكف مقطوعة ولا خير في الساعد الأجذم
ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم قام بالمؤاخاة بين المسلمين، وبوضع وثيقة تضبط العلاقة بين فئات الوطن المختلفة من المسلمين واليهود والمشركين لتضمن عدم التنازع والشقاق، وتنظم طريقة التعايش في سلام ووفاق وتكاتف في حماية الوطن الواحد.
وكان يدعو إلى كل ما يقوي روابط المحبة والألفة بين المسلمين، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا. أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شيء إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُم) [رواه مسلم].
فالاجتماع والوحدة والائتلاف وعدم الاختلاف من أهم الخطوات في بناء الأوطان وازدهارها.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ) [رواه الإمام أحمد].
ويروى أن المهلب بن ابي صفرة لما أشرف على الوفاة، استدعى أبناءه السبعة، ثم أمرهم بإحضار رماحهم مجتمعة، وطلب منهم أن يكسروها، فلم يقدر أحد منهم على كسرها مجتمعة، فقال لهم: فرِّقوها، وليتناولْ كل واحد رمحه ويكسره، فكسروها دون عناء كبير، فعند ذلك قال لهم: اعلموا أن مثلكم مثل هذه الرماح، فما دمتم مجتمعين ومؤتلفين يعضد بعضكم بعضاً، لا ينال منكم أعداؤكم غرضاً، أما إذا اختلفتم وتفرقتم، فإنه يضعف أمركم، ويتمكن منكم أعداؤكم، ويصيبكم ما أصاب الرماح:
كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى خطب ولا تتفرقوا آحادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت أفرادا
وأخيراً: إن المحبة بين أفراد المجتمع ووحدة الصف واجتماع الكلمة غايات مطلوبة في كل حين، فهي عنوان قوة الأمة، وسر حفظ البلاد وتقدمها وازدهارها.


بناء الأوطان، وحدة الصف، توحيد الكلمة، واعتصموا، لولا تفرقوا، كونوا جميعاً


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع