مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو
هل تتَمَنَّى أن تكون أحد أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟ (1)
الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU
19/08/2024 القراءات: 144
هل تتَمَنَّى أن تكون أحد أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟
إن محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أركان الإيمان، ولا يكمل إيمان العبد حتى يكون حبه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من حبه لنفسه وولده ووالده والناس أجمعين،
أما أن تتمنى أن تكون في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو تكون أحداً من صحابته الكرام، فخير لك أن ترضى بما قسمه الله تعالى لك، وأن تسعى في العمل الدؤوب لنيل مرضات الله سبحانه وتعالى، ولا تتَمَنَّى مَحْضَرًا غَيَّبَهُ اللهُ تعالى عَنْك.
واقرأ معي ما جاء في مسند الإمام أحمد عن جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: جَلَسْنَا إِلَى الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ يَوْمًا، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: طُوبَى لِهَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ اللَّتَيْنِ رَأَتَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللهِ لَوَدِدْنَا أَنَّا رَأَيْنَا مَا رَأَيْتَ، وَشَهِدْنَا مَا شَهِدْتَ، فَاسْتُغْضِبَ، فَجَعَلْتُ أَعْجَبُ، مَا قَالَ إِلَّا خَيْرًا، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: " مَا يَحْمِلُ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَتَمَنَّى مَحْضَرًا غَيَّبَهُ اللهُ عَنْهُ، لَا يَدْرِي لَوْ شَهِدَهُ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ فِيهِ، وَاللهِ لَقَدْ حَضَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْوَامٌ كَبَّهُمُ اللهُ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي جَهَنَّمَ لَمْ يُجِيبُوهُ، وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ، أَوَلَا تَحْمَدُونَ اللهَ إِذْ أَخْرَجَكُمْ لَا تَعْرِفُونَ إِلَّا رَبَّكُمْ، مُصَدِّقِينَ لِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّكُمْ، قَدْ كُفِيتُمُ الْبَلَاءَ بِغَيْرِكُمْ، وَاللهِ لَقَدْ بَعَثَ اللهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَشَدِّ حَالٍ بُعِثَ عَلَيْهَا فِيهِ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي فَتْرَةٍ وَجَاهِلِيَّةٍ، مَا يَرَوْنَ أَنَّ دِينًا أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ فَرَقَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ حَتَّى إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَرَى وَالِدَهُ وَوَلَدَهُ أَوْ أَخَاهُ كَافِرًا، وَقَدْ فَتَحَ اللهُ قُفْلَ قَلْبِهِ لِلْإِيمَانِ، يَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ هَلَكَ دَخَلَ النَّارَ، فَلَا تَقَرُّ عَيْنُهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ حَبِيبَهُ فِي النَّارِ "، وَأَنَّهَا لَلَّتِي قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74]
قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح، ولم يخرجوه.
وما تمناه بعض العلماء من أنه لو كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما قال الإمام العلامة قطب الدين الشيرازي شارح مختصر ابن الحاجب وكان من أذكياء زمانه، (ت710هـ): (أتَمَنّى أن لَو كنتُ فِي زمن النَّبِي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن لي سمْعٌ ولا بصرٌ رَجاءَ أن يلحظَني بنظره). [الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، ابن حجر العسقلاني، الطبعة الثانية، 1392هـ/ 1972م: 6/101].
فإن هذا الكلام من شدة حبه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن لا ينبغي للمرء أن يتمنى محضراً غيَّبَه اللهُ تعالى عنه لا يدري لو شهده كيف سيكون فيه، لقد حضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقوام أكبهم اللهُ تعالى على مناخرهم في جهنم والعياذ بالله تعالى؛ لأنهم لم يؤمنوا به، بل كثير منهم وقف صداً أمام دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومنهم من آذى الرسول ووضع الشوك في طريقه، بل منهم من وضع سلا جزور على رأسه وهو يصلي أمام الكعبة.
فمَن ذا الذي لا يَرجو العيش مع الرسول صلى الله عليه وسلم وصَحْبه الكرام رضي الله عنهم؟! بل مَن ذا الذي لا يرجو مجرَّد التمتُّع برؤيتهم؟!
ولكن مَن أدراك أنَّك لَم تكن من أتْباع ابن سلول رأس المنافقين؟!
نعم لا تتعجَّب، مَن أدراك أنَّك لن تكون من المنافقين؟ أوَلَم يَروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟
ألَم يَعيشوا معه؟
ألَم يَطَّلعوا منه على ما اطَّلع عليه الصحابة؟ بل ومنهم مَن خرَج للجهاد معه - صلى الله عليه وسلم!
فلماذا تتعجَّب؟ ولماذا تأْمَن على نفسك النِّفاق؟
وقد قال ابن أبي مُليكة: (أدْرَكتُ ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يَخاف النفاقَ على نفسه)! [أخرَجه البخاري مُعلقًا، باب: خوف المؤمن من أن يَحبطَ عملُه وهو لا يَشعر، ووصَله الحافظ ابن حجر في "تغليق التعليق": 2/52].
نعم لقد كانوا يخافون النفاق، أفلا تَخافه أنت؟!
= يتبع
أصحاب الرسول، تمني، محبة الرسول، يلحظَني بنظره، النفاق
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع