مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (157)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


01/03/2024 القراءات: 266  


-البشارة بأبي حنيفة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من فارس"، وفي رواية: "لو كان العلم في الثريا..".
وللحديث ألفاظ عديدة، وأصله في الصحيحين.
قال السيوطي رحمه الله في كتابه "تبييض الصحيفة بمناقب أبي حنيفة" (ص: 33):
"وقد بشّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإمام أبي حنيفة في الحديث ...". ثم ساق بعض روايات هذا الحديث، لكون الإمام أبي حنيفة رحمه الله فارسي الأصل.
قلت: الأدق أن نقول: المرجو أن يكون أبو حنيفة رضي الله عنه من المندرجين في بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
***
-حفيد المقتدر العباسي يكرم طالبًا حنفيًّا:
قال ابن الجوزي في "المنتظم (9/ 22-24) في ترجمة قاضي القضاة ببغداد: محمد بن علي المعروف بأبي عبدالله الدامغاني الحنفي، وقد وُلد بدامغان [تقع على بُعد 334 كم شمال شرق طهران] سنة (398)، ودخل بغداد سنة (419)، وتوفي سنة (478):
"تفقّه على أبي عبدالله الحسين بن علي الصيمري، وأبي الحسين أحمد بن محمد القُدوري، وسمع منهما الحديث، وبرع في الفقه، وخُص بالعقل الوافر، والتواضع، فارتفع وشيوخُه أحياء، وانتهتْ إليه الرئاسة في مذهب العراقيين، وكان فصيح العبارة، كثير النشوار في درسه، سهل الأخلاق، روى عنه أشياخُنا، وعانى الفقرَ في طلب العلم، فربما استضوأ بسراج الحارس. [في "البداية والنهاية": "وقد كان فقيرًا في ابتداء طلبه، عليه أطمار رثة"].
وحكى عنه أبو الوفاء ابنُ عقيل أنه قال:
كان لي من الحرص على الفقه في ابتداء أمري أني كنتُ آخذُ المختصرات، وأنزلُ إلى "دجلة" أطلب أفياء الدُّور الشاطئية، والمُسنيات، فأنظر في الجزء وأعيدُه، ولا أقوم إلا وقد حفظتُه، فأدّى بي السعيُ إلى مُسنّاة الحريم الطاهري، فجلستُ في فيئها الثخين، وهوائها الرقيق، واستغرقني النظرُ، فإذا شيخٌ حسنُ الهيئة قد اطلع عليّ.
ثم جاءني بعد هنيئة فرّاشٌ [أي: خادم، وما تزال الكلمة مستعملة حتى اليوم] فقال: قم معي، فقمتُ معه، حتى جاء بي إلى باب كبير، وعليه جماعة حواش، فدخل بي إلى دار كبيرة، وفيها دستٌ مضروبٌ، ليس فيها أحد، فأدناني منه فجلستُ، وإذا بذلك الشيخ الذي اطلع عليّ قد خرج، فاستدناني منه، وسألني عن بلدي.
فقلت: دامغان، -وكان عليّ قميصُ خام وسخٌ، وعليه آثارُ الحبر-.
فقال: ما مذهبُك، وعلى مَن تقرأ؟
فقلت: حنفي، قدمتُ منذ سنين، [على أقل الجمع يكون تاريخ هذا اللقاء سنة (422)]، وأقرأُ على الصميري، وابن القُدوري.
فقال: مِنْ أين مؤنتك؟
قلت: لا جهة لي أتموّنُ منها.
فقال: ما تقولُ في مسألة كذا من الطلاق؟
وبسطني، ثم قال: تجيء كلَّ خميسٍ إليَّ ها هنا.
فلما جئتُ أقومُ، أخذ قرطاسًا، وكتبَ شيئًا، ودفعَهُ إليّ وقال: تعرضُ هذا على مَنْ فيه اسمُه، وخذ ما يعطيك.
فأخذتُه ودعوتُ له.
فأُخرجتُ مِن باب آخر غير الذي دخلتُ منه، وإذا عليه رجلٌ مستندٌ إلى مخدة، فتقدمتُ إليه فقلت: مَنْ صاحب هذه الدار؟
فقال: هذا ابن المقتدر بالله. فقال: فما معك؟
فقلت: شيء كتبَه لي.
فقال: بخطه؟! أين كان الكاتب؟
فقلت: على مَنْ هذا؟
فقال: على رجلٍ من أهل باب الأَزَج [باب الشيخ اليوم]: عشر كارات دقيق سميد فائق -وكانت الكارة تساوي ثمانية دنانير- وكتبَ لك بعشرة دنانير، فسُررتُ، ومضيتُ إلى الرجل، فأخذ الخط ودُهش، وقال: هذا خط مولانا الأمير، فبادرَ فوزن الدنانير، وقال: كيف تريدُ الدقيق، جملةً أو تفاريق؟
فقلت: أريد كارتين منها وثمنَ الباقي، ففعل.
فاشتريت كتبًا فقهية بعشرين، وكاغدًا بدينارين".
وهذا الرجل هو الأمير أبو محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر بالله جعفر، ولا يمكن أن يكون ابنه المباشر، لأن المقتدر قُتل في شوال سنة (320)، فإذا قدرنا ولادة ابنٍ له في هذه السنة (٣٢٠) وقدرنا لقاء الدامغاني به بعد ثلاث سنوات من دخوله بغداد، أي في (422) كان عمر هذا الابن حينها (102) وهذا مستبعد.
وقد ترجم الذهبي للحفيد الحسن في "السير" (17/ 621)، ومِن قبله الخطيب في "تاريخ بغداد" (7/ 354)، وابن الجوزي في "المنتظم" (15/ 314-315) (من طبعة بيروت).
ويُؤخذ منها أنه وُلد سنة (343) وتوفي سنة (422)، فيكون له (79) سنة، وهذا يوافق قول الدامغاني هنا: "شيخ حسن الهيئة".
وربما لم يُقدر لقاء آخر للدامغاني به، لوفاته كما ذكرتُ تلك السنة.
***
-الزمخشري يقف كتبه على مشهد أبي حنيفة:
كتب أبو طاهر السِّلفي إلى الزمخشري مستجيزًا، فأجابه بقوله:
«بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم غفرًا، أسأل الله أن يطيل بقاء الشيخ العالم ... وأما ما طلب عندي، وخطب إليَّ من العلوم والدرايات، والسماعات والروايات، فثياب خلقت عليَّ من بينهن الثياب، ثم دفنتهنّ وحثوت عليهنّ التراب، وذلك حين آثرت الطريقة الأويسية على سائر الطرائق، وأخذت نفسي برفض الحجب والعوائق، ونقلتُ كتبي كلها، إلى ‌مشهد أبى ‌حنيفة، فوقفتُها وأصفرتُ منها يدي إلا دفترًا، قد تركته تميمة في عضدي، وهو كتاب الله الحبل المتين، والصراط المبين، لأهب ما قعدت بصدده كلّي، وألقى عليه وحده ظلي، لا يشغلني عنه بعضُ ما يجعل الرأي مشتركًا، ويرد القلب مقتسمًا. ولذتُ بحرم الله المعظم ...». العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين (6/ 40-41).
***
-ممازحات الطلبة:
كان الطلاب الشوافعة في المدرسة الخسروية في حلب -وربما في أماكن أخرى- يقولون: إن الحنفية لا تدخل الجنة. يقصدون مفتاح أنبوب الماء!
***
-تبييض الصحيفة:
لهذا الكتاب: "تبييض الصحيفة في مناقب الإمام أبي حنيفة" للسيوطي نُسخٌ، منها في مجموع في الاسكوريال، وهو يبدأ في الورقة (57).
***
التحول المذهبي:
قال د. موفق عبدالله عبدالقادر: "مَن يتحول من مذهب إلى مذهب يدل على سعة فقهه ورجاحة عقله... فكل هذه المذاهب هي عبارة عن مدارس تدرس معاني الإسلام، وجميعها تنتمي إليه... ولذلك نرى من ينتمي لمذهب الشافعي ويفتي لمذهب مالك وهكذا.. نفع الله بكم وكتب لكم الأجر والثواب".
قلتُ: للانتقال أسباب، فإذا كان الدافع علميًّا فالأمر كما تفضلتم.


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع