مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


سلسلة أمهات المؤمنين عائشة بنت أبي بكر (رضي الله عنهما)(3)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


21/04/2023 القراءات: 379  


إنما أقول كما قال أبو يوسف (يعقوب عليه السلام) فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، ثم عاد السكوت يلفّ المكان بروائه الشامل.
شعر رسول الله بأن الوحي يكاد ينزل عليه، فسجى في ثوبه، وأتته عائشة بوسادة من أدم وضعتها تحت رأسه، وفزع الجميع إلا عائشة الطاهرة البريئة. وحين استفاق عليه الصلاة والسلام من غشية الوحي وهو يتصبب عرقاً كالجمان، قال: أبشري يا عائشة، قد أنزل الله براءتك… فصاحت والفرحة تغمر قلبها: الحمد لله. ثم أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالأشخاص الذين كانوا يروجون ويفترون ويقذفون، فنالوا جزاءهم. وعادت الطاهرة البريئة إلى بيتها، وإلى مقامها في قلب رسول الله وإلى مكانتها الرفيعة في نفوس المسلمين جميعاً.
مرضه (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيت عائشة
وحين دهمت الحمى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سأل نساءه مستأذناً بكل ما كان يتمتع به من أدب النبوة أن يمرض في حجرة عائشة فأذنّ له. فقامت عائشة (رضي الله عنها) المحبة الوفية بتمريضه (صلى الله عليه وآله وسلم) والاعتناء به على خير ما يكون الحب والوفاء.
وأوصى (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدفن في حجرتها… وهكذا كان. ولقد كانت (رضي الله عنه) أكثر نسائه وأهله حزناً لفراقه، وألماً لبعاده، وهي تذكر سالف أيامها معه، وسنوات عمرها التي رافقته فيها.
وتولى والدها أبو بكر خلافة المسلمين ثم تبعه عمر بن الخطاب (رضي الله عنها). والكل يعرف لها مكانتها ومنزلتها، وفضلها وعلمها. ثم لما تولى الخلافة علي (رضي الله عنه) وكانت الفتنة، شاركت عائشة رضي الله عنها في معركة الجمل، وقد سميت بهذا الاسم لأن عائشة (رضي الله عنها) كانت تركب جملاً، ضد علي (رضي الله عنه)، ولما انتهت الواقعة أعادها علي (رضي الله عنه) إلى دارها في المدينة المنورة مع أخيها محمد بن أبي بكر مصونة مكرمة محترمة، وحلفت ألا تغادر دارها من يومها.
الوفاة
مرضت عائشة (رضي الله عنها) وكان قد سبقها إلى الدار الآخرة معظم نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم اشتد عليها المرض حتى فارقت الحياة الدنيا، وجرى دفنها في البقيع، وكانت وفاتها سنة ثمان وخمسين من الهجرة ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان على أرجح الأقوال. وقد بلغت من العمر تسعة وستين عاماً. وكان الصحابي الجليل أبو هريرة ممن حضر جنازتها وصلى عليها، وبينما هو في طريق عودته من البقيع بعد الدفن، وقد غاصت عيناه بالدموع، كان يردد: رحم الله أم المؤمنين عائشة، لقد كانت حياتها صفحة ناصعة، شديدة النقاء، بالغة الطهارة.
رضي الله عنها وأرضاها وأكرم نزلها ومثواها، وألحقنا بها في الصالحين من عباده.
زهدها (رضي الله عنها)
أما زهد هذه السيدة الجليلة زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أم المؤمنين، فعن القاسم بن محمد قال: “كانت عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) تصوم حتى يزلقها الصوم” أي يجهدها.
وعن ابن المنكدر عن أم ذَرَّ، وكانت صاحبة عائشة، قالت: “بعث إليها بمالٍ أراه ثمانين أو مئة ألفٍ فدعت بطبقٍ، وهي يؤمئذٍ صائمة فجلست تقسم بين الناس، فأمست وما عندها من ذلك درهمٌ واحد. فلما أمست قالت: يا جارية أين فطوري؟ فجاءتها بخبزٍ وزيت. قالت لها أم ذر: أما استطعت مما قسمت اليوم أن تشتري لنا لحماً بدرهمٍ نفطر عليه؟! “.
وقال عروة: “لقد رأيت عائشة (رضي الله عنها) تقسم سبعين ألفاً وإنها لترقع جيب دِرعها”. أهدى معاوية لعائشة ثياباً وورِقاً -أي فضةً- وأشياء توضع في خزانتها فلما خرجت نظرت إليه فبكت ثم قالت: لكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن يجد هذا، ثم فرّقته ولم يبقَ منه شيء. وعندها ضيف، فلما أفطرت، أفطرت على خبزٍ وزيت، فقالت المرأة: يا أم المؤمنين لو أمرتِ بدرهمٍ من الذي أهدي إليكِ فاشتري لنا به لحماً فنأكله، فقالت عائشة (رضي الله عنها): كلي فوالله ما بقي عندنا منه شيء”.
مكانتها العلميَّة
روى هشام بن عروة عن أبيه قال: “ما رأيت أحداً من الناس أعلم بالقرآن، ولا بفريضةٍ، ولا بحلالٍ وحرام، ولا بشعر، ولا بحديثٍ، ولا بنسبٍ من عائشة (رضي الله عنها)”.
وقال أبو موسى الأشعري (رضي الله عنه): «ما أشكل علينا أمرٌ فسألنا عنه عائشة، إلا وجدنا عندها فيه علماً».
وقال بعض العلماء: “لو اجتمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين، وعلم جميع النساء، لكان علم عائشة أفضل”.
وقال عطاء بن رباح: “كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً في العامَّة”.
وقال مسروق: “رأيت مشيخة أصحاب رسول الله الأكابر يسألونها عن الفرائض”.
تميزها عن سائر نسائه (صلى الله عليه وآله وسلم)
تميزت أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) عن سائر نسائه (صلى الله عليه وآله وسلم) بتسع أمور كما تذكرها هي فتقول: خلالٌ فيَّ تسعٌ لم تكن في أحد من النساء، إلا ما آتى الله مريم بنت عمران، والله ما أقول هذا فخراً على أحد من صواحبي، وهي: نزل الملك بصورتي، وتزوجني رسول الله لسبع سنين، وأهديتُ إليه لتسع سنين، وتزوجني بكراً لم يشركه فيّ أحد من الناس، وكان يأتيه الوحي وأنا وهو في لحاف واحد، وكنت من أحب الناس إليه، ونزل فيَّ آيةٌ من القرآن، ورأيت جبريل ولم يره أحد من نسائه غيري، وقُبض في بيتي ولم يله أحد غير المَلَكِ وأنا.


سلسلة أمهات المؤمنين عائشة بنت أبي بكر (رضي الله عنهما)(3)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع