مدوّنة الأستاذ المشارك الدّكتور منير علي عبد الرّب القباطي


(يا نفس ما تشتهين) في ميزان الشّرع

الأستاذ المشارك الدّكتور منير علي عبد الرّب | Associate Professor Dr. Muneer Ali Abdul Rab


20/02/2025 القراءات: 9  


الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على محمّد خير خلقه، وآله وصحبه أجمعين. أمّا بعد؛ انتشرت عادة في آخر شعبان، يقوم بها بعض النّاس، فيجتمعون، ويحضرون ما لذّ من الطّعام والشّراب وطاب، تحت مسمّى:

*يا نفس ما تشتهين*

وكانت تسمّى سابقًا *تنحيسًا*، واشتقاقه من الأيّام النّحسات ! وهي أيّام توديع للأكل !

👈 ليس لهذه العادة أصلًا في الكتاب والسّنّة، بل جاءت السّنّة باستحباب الإكثار من الصّيام في شهر شعبان.

👈 هذه عادة قبيحة، ينبغي تركها؛ لأنّ أصلها من النّصارى، ولا يجوز للمسلم التّشبّه بهم؛ لما يشعر به ذلك من استثقال شهر الصّوم، وكراهة مقدمه، وأنّه يحول بينهم وبين مايشتهون ! كما تدلّ على هلع وحرص أصحابها على شهواتهم وحزنهم على فقدها في نهار رمضان.

👈 وقد حذّر الحافظ ابن رجب الحنبليّ -رحمه الله- منها؛ فقال في كتابه "لطائف المعارف":
ﻭﻟﺮﺑّﻤﺎ ﻇﻦّ ﺑﻌﺾ اﻟﺠﻬّﺎﻝ ﺃﻥّ اﻟﻔﻄﺮ ﻗﺒﻞ ﺭﻣﻀﺎﻥ، ﻳﺮاﺩ ﺑﻪ اﻏﺘﻨﺎﻡ اﻷﻛﻞ؛ ﻟﺘﺄﺧﺬ اﻟﻨّﻔﻮﺱ ﺣﻈّﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺸّﻬﻮاﺕ، ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﻤﻨﻊ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺑﺎﻟﺼّﻴﺎﻡ، ﻭﻟﻬﺬا ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﻫﻲ ﺃﻳّﺎﻡ ﺗﻮﺩﻳﻊ للأﻛﻞ، وتسمّى تنحيسًا ...

👈 ﻭﺫﻛﺮَ ﺃﻥّ ﺃﺻﻞ ﺫﻟﻚ ﻣﺘﻠﻘّﻰ ﻣﻦ اﻟﻨّﺼﺎﺭﻯ؛ ﻓﺈﻧّﻬﻢ ﻳﻔﻌﻠﻮﻧﻪ ﻋﻨﺪ ﻗﺮﺏ ﺻﻴﺎﻣﻬﻢ، ﻭﻫﺬا ﻛﻠّﻪ ﺧﻄﺄ، ﻭﺟﻬﻞ ﻣﻤّﻦ ﻇﻨّﻪ. وربّما لم يقتصر كثير منهم على اﻏﺘﻨﺎﻡ اﻟﺸّﻬﻮاﺕ اﻟﻤﺒﺎﺣﺔ، ﺑﻞ ﻳﺘﻌﺪّﻯ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺤﺮّﻣﺎﺕ، ﻭﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺨﺴﺮاﻥ اﻟﻤﺒﻴﻦ، ﻭقد ﺃﻧﺸﺪ بعض هؤلاء:

ﺇﺫا اﻟﻌﺸﺮﻭﻥ ﻣﻦ ﺷﻌﺒﺎﻥ ﻭلّت *** ﻓﻮاﺻﻞ ﺷﺮﺏ ﻟﻴﻠﻚ ﺑﺎﻟﻨّﻬﺎﺭ.

ﻭﻻ ﺗﺸﺮﺏ ﺑﺄﻗﺪاﺡ ﺻﻐﺎر *** ﻓﺈﻥّ اﻟﻮﻗﺖ ﺿﺎﻕ ﻋﻠﻰ اﻟﺼّﻐﺎﺭ.

ﻭﻗﺎﻝ ﺁﺧﺮ :
ﺟﺎء ﺷﻌﺒﺎﻥ ﻣﻨﺬﺭًا ﺑﺎﻟﺼّﻴﺎﻡ *** ﻓﺎﺳﻘﻴﺎﻧﻲ خمرًا ﺑﻤﺎء اﻟﻐﻤﺎﻡ.

ﻭﻣﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه ﺣﺎﻟﻪ، ﻓﺎﻟﺒﻬﺎﺋﻢ ﺃﻋﻘﻞ ﻣﻨﻪ، ﻭﻟﻪ ﻧﺼﻴﺐ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﻭﻟﻘﺪ ﺫﺭﺃﻧﺎ ﻟﺠﻬﻨّﻢ ﻛﺜﻴﺮًا ﻣﻦ اﻟﺠﻦّ ﻭالإﻧﺲ ﻟﻬﻢ ﻗﻠﻮﺏ ﻻ ﻳﻔﻘﻬﻮﻥ ﺑﻬﺎ} الأعراف: ١٧٩. نسأل الله السّلامة والعافية.

👈 قال الحافظ ابن رجب: ﻭﺭﺑّﻤﺎ ﻛﺮه ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﻢ ﺻﻴﺎﻡ ﺭﻣﻀﺎﻥ، ﺣﺘّﻰ ﺇﻥّ ﺑﻌﺾ اﻟﺴّﻔﻬﺎء ﻣﻦ اﻟﺸّﻌﺮاء ﻛﺎﻥ ﻳﺴﺒّﻪ، ﻭﻛﺎﻥ ﻟﻠﺮّﺷﻴﺪ اﺑﻦٌ ﺳﻔﻴﻪٌ ﻓﻘﺎﻝ ﻣﺮّﺓ:

ﺩﻋﺎﻧﻲ ﺷﻬﺮُ اﻟﺼّﻮﻡ ﻻ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ *** ﻭﻻ ﺻﻤﺖُ ﺷﻬﺮًا ﺑﻌﺪه ﺁﺧﺮ اﻟﺪّﻫﺮ.

ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻥ ﻳُﻌﺪﻳﻨﻲ اﻷﻧﺎﻡ ﺑﻘﺪﺭﺓ *** ﻋﻠﻰ الشّهر ﻻستعديت ﺟﻬﺪﻱ ﻋﻠﻰ اﻟﺸّﻬﺮ ! يعديني: أي يعينني.

ﻓﺄﺧﺬه ﺩاء اﻟﺼّﺮﻉ، ﻓﻜﺎﻥ ﻳﺼﺮﻉ ﻓﻲ ﻛﻞّ ﻳﻮﻡ ﻣﺮّاﺕ ﻣﺘﻌﺪّﺩﺓ، ﻭﻣﺎﺕ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻛﻪ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺁﺧﺮ.

👈 قال: ﻭﻫﺆﻻء اﻟﺴّﻔﻬﺎء وأمثالهم، ﻳﺴﺘﺜﻘﻠﻮﻥ ﺭﻣﻀﺎﻥ؛ ﻻﺳﺘﺜﻘﺎﻟﻬﻢ اﻟﻌﺒﺎﺩاﺕ ﻓﻴﻪ، ﻣﻦ اﻟﺼّﻼﺓ ﻭاﻟﺼّﻴﺎﻡ، ﻓﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﺠﻬّﺎﻝ ﻻ ﻳﺼﻠّﻲ ﺇّلا ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺇﺫا ﺻﺎﻡ، ﻭﻛﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﻢ ﻻ ﻳﺠﺘﻨﺐ ﻛﺒﺎﺋﺮ اﻟﺬّﻧﻮﺏ ﺇلّا ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ، ﻓﻴﻄﻮﻝ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻳﺸﻖّ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻔﺎﺭﻗﺘﻬﺎ ﻟﻤﺄﻟﻮﻓﻬﺎ، فهم ﻳﻌﺪّون اﻷﻳّﺎﻡ ﻭاﻟﻠّﻴﺎﻟﻲ؛ ﻟﻴﻌﻮﺩﻭا ﺇﻟﻰ اﻟﻤﻌﺼﻴﺔ، ﻭﻫﺆﻻء ﻣﺼﺮّﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻮا ﻭﻫﻢ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ، ﻓﻬﻢ ﻫﻠﻜﻰ.

أين حال هؤلاء من قوم كان دهرهم كلّه رمضان؛ ليلهم قيام، ونهارهم صيام !

ﻓﻤﻦ ﺃﺭاﺩ اﻟﻠﻪ ﺑﻪ ﺧﻴﺮًا، ﺣﺒّﺐ ﺇﻟﻴﻪ اﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺯﻳّﻨﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ، ﻭﻛﺮه ﺇﻟﻴﻪ اﻟﻜﻔﺮ ﻭاﻟﻔﺴﻮﻕ ﻭاﻟﻌﺼﻴﺎﻥ، ﻓﺼﺎﺭ ﻣﻦ اﻟﺮّاﺷﺪﻳﻦ، ﻭﻣﻦ ﺃﺭاﺩ ﺑﻪ ﺷﺮًّا ﺧﻠَّﻰ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﻧﻔﺴﻪ، فأﺗﺒﻌﻪ اﻟﺸّﻴﻄﺎﻥ، ﻓﺤﺒّﺐ ﺇﻟﻴﻪ اﻟﻜﻔﺮ ﻭاﻟﻔﺴﻮﻕ ﻭاﻟﻌﺼﻴﺎﻥ، ﻓﻜﺎﻥ ﻣﻦ اﻟﻐﺎﻭﻳﻦ.

فاﻟﺤﺬﺭ اﻟﺤﺬﺭ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎﺻﻲ، ﻓﻜﻢ ﺳﻠﺒﺖ ﻣﻦ ﻧِﻌﻢ، ﻭﻛﻢ ﺟﻠﺒﺖ ﻣﻦ ﻧِﻘﻢ.

اللّهمّ بلّغنا رمضان، ولا تحرمنا أجره، واجعلنا اللّهمّ من أهل الصّلاة والصّيام والقيام 🤲

اللّهمّ بغّض إلى نفوسنا المعاصي، واغفر لنا الذّنوب، واستر لنا العيوب، وفرّج اللّهمّ عن الأمّة الكرب والهموم🤲


النّفس، الشّهوات، المعاصي، السّلف


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع