مدونة د. اوان عبدالله محمود الفيضي


التحديد الفلسفي لمفهوم المجتمع المدني

د. اوان عبدالله محمود الفيضي | AWAN ABDULLAH MHMOOD ALFAIDHI a


03/06/2023 القراءات: 1448  


يعد مفهوم المجتمع المدني من المفاهيم التي مازالت تشكل فضاء للنقاش والبحث فهل هذا المفهوم بمثابة مفهوم اجرائي واداة نظرية لفهم تحولات المجتمع والتعبيرعن خصائص التطورلحقبة زمنية ام انه اداة لإعادة الانتاج الايديولوجي؟تساؤلات يطرحها هذا المفهوم فاذا استطاع مفهومه في المجتمعات الغربية ان يقف على مفاهيم محددة وان يضع حدودا لنفسه تحول دون اصطدامه بالمجتمع السياسي وان يحل محل الدولة في تصحيح بعض الاختلالات ولعب دوره الكامل سواءعلى المستوى التنموي ام على الحد من تجاوزات المجتمع السياسي فان حاله يختلف بالكامل في المجتمعات الاخر اذ تظل عبارة المجتمع المدني اكثر ذيوعاوانتشارا في الخطاب المتداول اليوم في البلاد فهي توجد في اكثر المواقع اختلافا وتباينا لأنها من العبارات الشائعة والمألوفة ومن ثم المقبولة في كتابات الصحافة وفي وسائل الاعلام الاخرفهو كمفهوم ذو حمولة غربيةاذ نشأ وتربى في المجتمع الغربي وهو يعكس تاريخ وخصوصيات وثقافة هذا المجتمع نتيجة تراكمات تاريخية وفكرية وسياسية تطلبت سنوات طويلة من التكوين
ولئن كان مفهوم المجتمع المدني مفهوماسائدا الا انه لا ينطبق على كل المجتمعات بنفس المعنى والمدلول ولعل هذا مايدعوناالى التفكير جديا في خصوصية كل النماذج وتباين التجارب الامر الذي يؤكد عدم وجود قراءة واحدة احادية وانماهي قراءات متباينة لنفس المشكلة باعتبار ان الظاهرة مهما كانت هويتها لا تقرأ الا في سياقها المعرفي والمنهجي اخذا في الاعتبار اهمية الخصوصيات كمعطى حضاري وثقافي واجتماعي
وحقيقة فان مفهوم المجتمع المدني مفهوم قديم جدافقد ظهر في بدايته داخل المجتمعات الغربية واذا كان من الصعب تحديد تاريخ لظهوره فان القرن السابع عشر هو نقطة الانطلاقة التي يتفق عليها معظم الباحثين الاجتماعيين والقانونين والسياسيين اذ بدأت من هذا القرن تظهر وقائع ومؤسسات وتنظيمات تعد من مشتملات المجتمع المدني او ما يدل على وجوده ويمكن اعتبار لحظة انبثاقه هي لحظة انهيار المجتمع الاقطاعي وتبلور المجتمع البرجوازي وقد ساهمت العديد من التحولات والتراكمات التاريخية والسياسية والفكرية التي عرفهامفهوم المجتمع المدني في بيئته الاصلية في جعل هذا المفهوم غير محدد بدقة خاضع للعديد من التأويلات والتفسيرات المختلفة داخل المجتمعات العربية المستوردة له كمايعد هذا المفهوم دخيل على تراث الفكر السياسي العربي الاسلامي بحيث لم يبرز في الخطاب السياسي العربي الا في العقود الاخيرة واتسم عند ظهوره بسمات خاصة جعلته يختلف عن الصيغة التي ظهر بها في بيئته الاولى فاذا اردنا التدقيق في المدلول اللغوي يمكن تحديد اعرابه في اللغة العربية إمااسم مكان اواسم زمان اومصدرا وبالتالي فهو لايؤدي معنى اللفظ الاجنبي والذي يعني عددا من الافراد يشكلون مجموعة او جماعة بفعل رابطة ما تجمع بعضهم الى بعض فنصفه الاول المجتمع واضح الى حد مااماالنصف الاخر المدني فهو غامض شديد الغموض وتحال في اللغة العربية الى المدنية والى الحضارة
وبناءعلى ذلك يمكن القول ان عبارة المجتمع المدني بالنسبة للغة العربية انما تكتسب معناها من مقابلها الذي هو المجتمع البدوي تماما كما فعل ابن خلدون حينما استعملهما كمفهومين اجرائيين في تحليل المجتمع العربي في عهده والعهود السابقة واللاحقة له في حين ان المجتمع المدني يعني في الفكر الاوربي مجتمع متحضر لاسلطة فيه للقوة العسكرية والدينية والفرق كبير بين المدلولين في اللغة العربية وفي الفكر الاوربي فالمجتمع المدني يخضع في تكوينه وممارسته الى نظام ديمقراطي يحدده القانون وتسود فيه السلطة لمجموع الشعب ويتعرف في شؤونه وحياته على اساس ما تواضعت عليه المجتمعات المتمدنة على نحو ما كانت كلمة المدنية تستعمل مرادفة للحضرية كمانجد هنا تداخل في معنى مفهوم المجتمع المدني ومفهوم المجتمع الاهلي والواقع ان مساحة التقاطع بينهما موجودة على الرغم من التمايز بينهمااذ يشار الى مؤسسات المجتمع المدني والمجتمع الاهلي على السواء بحسب انها المؤسسات الاجتماعية التضامنية التي يجنح مجتمع ماالى تشكيلها فتشترك القبيلة والعشيرة والعائلة وهي بنى المجتمع الاهلي ومؤسساته مع النقابة والرابطة الحقوقية والاتحاد الطلابي والجمعية النسائية وهي بنى ومؤسسات المجتمع المدني
وانطلاقا مماسبق يتضح لنا ان لمفهوم المجتمع المدني جذور عميقة في فكر وتاريخ المجتمعات الغربية الا انه ليس هناك تحديد شامل وعلمي لهذاالمفهوم فكل تحديد مرتبط بظرفية علمية وتاريخية وسياسية محددة وبالتالي فمفهومه يبقى من المفاهيم الاكثر اثارة للنقاش لما يكتنفه من غموض راجع الى طابعه المعقد ولما يحتويه من مضامين متعددة كماان مفهومه يشكل توسطا بين الفرد المواطن والدولة فهو يشير الى حلبة العمل الجماعي الذي لا يتسم بالإكراه والذي يدور حول مصالح واهداف وقيم مشتركة ومتبادلة لأنه عبارة عن مجموعة كبيرة من المنظمات غير الحكومية والمنظمات التي لا تهدف الى الربح وعن جمعيات تعمل بكل استقلالية مبدئيا عن النشاط السياسي الصرف وتسعى للدفاع عن مبادئ ذات صيغة انسانية تهم المواطنين دون نية الوصول الى الحكم نفسه
وتأسيساعلى ذلك فان الفرق واضح اذن بين الاحزاب السياسية وبين مكونات المجتمع المدني ذاك ان الاولى تعمل على الوصول الى السلطة وهذا مايصنفها في اطار المجتمع السياسي في حين ان المجتمع المدني بمختلف مكوناته فان اقصى ما يطمح اليه هو مراقبة العنف الشرعي كماهو الشأن بالنسبة لجمعيات حقوق الانسان وبهذا استنتجنا ان هذه الاحزاب لا تدخل في نطاق المجتمع المدني فلا مناص من القول من هذه القراءات ان مفهوم المجتمع المدني يشير الى ذاك العمل التطوعي وغيرالربحي والاستقلالية عن اجهزة الدولة وعدم التبعية لماهو حكومي فضلا عن الانفصال عن الانتماءات القبلية والروابط الاسرية كمانسجل دعوتنا وتأكيدناعلى انه لابد للمجتمع من عين فاحصة ومستقلة والتي تتمثل بمجموعة من الجمعيات المدنية دائمة اليقظة القائمة على التنظيم الذاتي وهي الضرورة اللازمة لتقوية الثورة الديمقراطية والحمد لله رب العالمين


( التحديد الفلسفي لمفهوم المجتمع المدني)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع