مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


ليس كل غضب مذموم ولا كل حلم بممدوح

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


20/12/2022 القراءات: 441  


إن الإنسان منا كما علمتم معرض للأذي والإساءة والإهانة وعرضه للأخطار ، والمهلكات ، فمنحه الله قوة يدفع بها الإهانة ، ويدفع بها الخطر ، وينجو بها بإذن الله من الهلاك ، هي قوة الغضب والحمية .
وخلق الغضب من النار ، فتسلط الشيطان علينا من هذا الطريق وركبنا وقت الغضب ، حتى صار الناس في غضبهم حمقي متهورين ، وسفهاء طائشين .
فكره الناس الغضب لذلك ، واصطلحوا علي ذمه مطلقا ، وهذا خطأ فظيع وخلط لا يجوز ، فليس كل غضب مذموم ولا كل حلم بممدوح ، والله جل وعلا لا يخلق لنا طبعا إلا لحكمة ، ولا يركب فينا قوة الحمية والغضب إلا لسبب وحكمة .
فالأذى إذا جاءنا لا يدفع إلا بالغضب ، والشر إذا نالنا لا يدفع إلا بالغضب ، وحماية الدين والأعراض والشرف لا تدفع إلا بالغضب ، فمن فقد قوة الغضب بالكلية ، أو ضعفت فيه الحمية فهو ناقص محلول العزم ، مفقود الحزم ، معدوم الرجولة .
وقد امتدح الله غضب المؤمنين علي الكفار ، وحميتهم الدينية ، لما له من أثر في إعلاء كلمة الله ، فقال تعالى ﴿ أشداء علي الكفار رحماء بينهم ﴾ .

وقال " أذلة علي المؤمنين أعزة علي الكافرين " وقال " وليجدوا فيكم غلظة "
وأمرنا بالغضب إذا انتهكت حرمة الدين ، والغيرة علي حدود الله ، فقال في الزناة " ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر » .
فمن فقد قوة الغضب ، يصبح جبانا ضعيفا ، وذليلا حقيرا لا يأنف من العار ولا يهمه ، ولا يتألم لأذى السفهاء ، يتطاول السفهاء والفسقة علي حرمه ، فلا يغار لعرض ، ولا يغضب لشرف ، فيكون تيسا في صورة إنسان ، وجمادا لا إحساس له ، ولا شعور.
وليس الحلم في شيء ، وإنما هو جبن وخور وذلة وقد ورد عن النبي  أنه قال لن يدخل الجنة ديوث ، قالوا وما الديوث يا رسول الله قال الذي لا يغار علي أهله .
وقال سعد رضي الله عنه يا رسول الله لو وجدت مع أهلي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء فقال  نعم ، فقال كلا والذي بعثك بالحق ، إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك ، فقال  اسمعوا إلى ما يقول سيدكم ، إنه لغيور وأنا أغير منه والله أغير مني .
وإذا لم يغضب الإنسان لعرضه ضاعت الأنساب واختلطت الأولاد ، وكل أمة تموت الغيرة فيهم لابد وأن تضيع العفة ، والصيانة من نسائها ، وهذا هو الضعف والخور والعجز ، والجبن ، الذي استعاذ منه النبي  ، وكيف تذم رجلا يغضب لدينه ، إذا رأي المنكرات ، وقد أمر بمحاربتها وكيف يصلح المرء عيوب نفسه إذا لم يغضب عليها ، ويشتد في ردها عن هواها .

أما الغضب المذموم فهو الذي يعمي صاحبه عن الحق ، ويفقده بصر البصيرة ، والفكر فتأخذه العزة بالإثم ، ويعرض عن النصح إذا نصح ، وربما زاد هيجانا ، وإذا روجع فيقول ازداد سخطا ولجاجا .
وقد يحدث منه ضرر علي من حوله ، وتجده متغيرا لونه ، مرتعشة أعضاؤه ، زائغا بصره ، وكالأعمى يسب الجماد والحيوان ، ويبطش بكل ما يصادفه ، حتى إنه يتلف الأثاث ، والرياش ، وربما لا يشفي غله ، وقد يحدث منه طلاق ، ولعن وسب ، وشتم ، فهذا غضب مذموم قبيح مرذول ينتصر فيه إبليس علي هذا الذي لا يملك نفسه عند الغضب كما قيل :
وما غضب الإنسان إلا حماقة
( إذا كان فيما ليس لله يغضب
(
ومثل هذا الغضب يهدم الجسم ، ويتلف الصحة ، ويحرم صاحبه الراحة والهناء ويجعل نظرته إلي الحياة مظلمة سوداء فالتفريط في الغضب ضعف ، والإفراط تهور وجنون ، والمحمود منه الوسط والاعتدال والقصد المحمود منه أن يكون غضبك للدين فإذا اعتدي قوم علي الإسلام بالطعن والتشهير أو التشكيك في العقائد كما يحاول الملحدون وكما يفعل المبشرون فيجب أن تغضب عليهم انتصارا لديننا ودفاعا عن شرعنا.
ومن الغضب المحمود الغضب علي من تعدي علي بلاد إسلامية أو تعدي علي مسلم أو مدح غير الدين الإسلامي أو ذكر الله أو كتابه أو ملائكته أو رسله بسوء أو سب صحابيا أو إماما مشهورا بالتقي والورع

والاستقامة أو طعن في رجال الدين لأجل دينهم أو كذب علي الله أو علي رسله أو حل شيئا من المحرمات أو حرم شيئا مما حلله الله أو استهان بكتاب الله أو سنة رسوله  أو كتب أهل العلم المحققين مثل الإمام أحمد والشافعي ومالك وأبي حنيفة والموفق والمجد وابن أبي عمر وشيخ الإسلام وابن القيم وابن كثير وابن رجب وابن مفلح ونحوهم من العلماء المشهورين بالاستقامة والبعد عن البدع وكأئمة الدعوة .
ومن الغضب المحمود الغضب علي من ابتدع في الدين بدعا أو نشرها أو دعا إليها أو مدح محلليها أو مدح الكفار أو مدح الملاهي والمنكرات التي حطمت الأخلاق وقضت عليها وأتلفت الأموال وقتلت الأوقات وأورثت الخلق أفانين العدوات وأحدثت التفرق في البيوت والقلوب .
شعرا :
( إن الملاهي ألقت بيننا إحنا
( وأورثننا أفانين العدوات )
(
( وهل أصيب شباب اليوم وانحرفوا
( إلا بتقليد أصحاب الضلالات )
(


( من كل أهوج لا دين ولا أدب
( ولا حياء ومعدوم المرؤات )
(
( يري التمدن في تطويل شاربه
( وحلق لحيته مثل الخواجات )
(
(يقلد الكفر في تطويل أظفره
( أقبح به من سفيه ساقط عات )
(
اللهم قوي إيماننا بك وبملائكتك وبكتبك وبرسلك وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره اللهم وفقنا للهداية وجنبنا أسباب الجهالة والغواية اللهم ثبتنا علي الإسلام والسنة ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


ليس كل غضب مذموم ولا كل حلم بممدوح


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع