رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (144)
د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees
10/02/2024 القراءات: 507
الشيخ أبو الخير زين العابدين:
-حدَّثني الشيخ محمود الزين -رحمه الله- عن الأستاذ حسّان فَـرْفُوطي قال: خطبَ الشيخُ أبو الخير زين العابدين الأنطاكي الحلبي في حلب خطبةً فاستدعتْهُ جهةٌ رقابيةٌ، وقد استغربَ لذلك، وسألَ مديرَ تلك الجهة -وهو يُحقِّقُ معه- عن سببِ استدعائهِ، فقال له: أنتَ قلتَ كذا وكذا.
قال الشيخ: وماذا في ذلك؟ -ولم يكن في كلامهِ ما يُثير-.
فقال المُحقِّق: لا، بلْ فيه الكثير، فإنَّ مِنَ المُمكن أنْ يؤدِّي إلى كذا. فضحكَ الشيخُ، فقال له المُحقِّق: مم تضحك؟
قال: أحكي لك هذه الحكاية لتعلمَ لِمَ ضحكتُ:
كان هناك أحدُ الأغوات، وكان يكرهُ البط، فدخلَ عليه رجلٌ مِنْ أهلِ القرية وقال له: يا آغا السماءُ تمطرُ مطرًا شديدًا، فقال الآغا لجماعتهِ: ابطحوهُ واضربوهُ، فقال: يا آغا ماذا فعلتُ؟ فقال له: أنتَ قلتَ: المطرُ شديدٌ، وإذا نزلَ المطرُ ستتكوّنُ "بِرَكٌ"، وإذا تكونتْ البِرَكُ سيأتي البطُّ ويَسْبحُ فيها!
***
مُخفِّف البلاء:
قال الشيخ عبدالرحمن العمادي في «الروضة الريا فيمن دُفن بداريا» (ص: 94):
«قال أحمد [بن أبي الحواري]: قال أبو سليمان [الداراني]: أتدري ما أزالَ عن العاقلِ اللائمةَ عمَّن أساءَ إليه؟
قلت: لا.
قال: لأنه علمَ أن الله تعالى عز وجل ابتلاه.
قلتُ [القائل العمادي]: وهذا مثلُ قولِ ابن عطاء في "الحِكم": ليُخفف عنك ألمَ البلاء علمُك بأنَّ الله تعالى المُبتلي لك.
وقولِ القائل:
وخفَّفَ عني ما أُلاقي من العنا … بأنكَ أنتَ المُبتلي والمقدِّرُ».
قلت: وهذا البيتُ أورده السيوطي في كتابه "قطف الأزهار في كشف الأسرار" (1/ 349).
***
جرح اللسان:
قال أبو عبيد عبدالله بن عبدالعزيز البكري الأندلسي (ت: ٤٨٧) في «فصل المقال في شرح كتاب الأمثال» (ص: 24):
«قال الشاعر:
وقد يُرجى لجرح السيف برءٌ … وجرحُ الدهر ما جرحَ اللسانُ
جراحاتُ السنان لها التئامٌ … ولا يلتامُ ما جرح اللسانُ
ويُروى:
وجرحُ السيف تدملُه فيبرا … وجرحُ الدهر ما جرحَ اللسانُ
وقال الآخر [الأخطل]:
والقول ينفذُ ما لا تنفذ الإبرُ
وقالوا: اللسان أجرحُ جوارح الإنسان.
وقال ابنُ عبّاد الصاحب:
حفظ اللسان راحة الإنسانِ … فاحفظه حفظ الشكر للإحسانِ
فآفة الإنسان في اللسانِ
وقال امرؤ القيس:
إذا المرء لم يخزنْ عليه لسانَه … فليس على شيءٍ سواه بخزّانِ».
***
كتاب الشيخ ابن تيمية من مصر إلى والدته:
"بسم الله الرحمن الرحيم
مِنْ أحمد ابن تيمية إلى الوالدة السعيدة أقر الله عينيها بنعمه، وأسبغ عليها جزيل كرمه، وجعلها من خيار إمائه وخدمه.
سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته. فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو وهو للحمد أهل، وهو على كل شيء قدير. ونسأله أن يصلي على خاتم النبيين وإمام المتقين محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا.
كتابي إليكم عن نعمٍ من الله عظيمة، ومنن كريمة، وآلاء جسيمة، نشكر الله عليها، ونسأله المزيد من فضله. ونعم الله كلما جاءتْ في نمو وازدياد، وأياديه جلتْ عن التعداد. وتعلمون أن مقامنا الساعة في هذه البلاد إنما هو لأمور ضرورية متى أهملناها فسد علينا أمرُ الدين والدنيا. ولسنا -والله- مختارين للبُعد عنكم، ولو حملتنا الطيورُ لسرنا إليكم، ولكن الغائب عذره معه، وأنتم لو اطلعتم على باطن الأمور فإنكم - ولله الحمد - ما تختارون الساعة إلا ذلك، ولم نعزم على المقام والاستيطان شهرًا واحدًا، بل كل يوم نستخير الله لنا ولكم، وادعوا لنا بالخيرة، فنسأل الله العظيم أن يخير لنا ولكم وللمسلمين ما فيه الخيرة في خير وعافية.
ومع هذا فقد فتح الله من أبواب الخير والرحمة والهداية والبركة ما لم يكن يخطر بالبال، ولا يدور في الخيال، ونحن في كل وقت مهمومون بالسفر، مستخيرون الله سبحانه وتعالى. فلا يظن الظانُّ أنا نؤثر على قربكم شيئًا من أمور الدنيا قط. بل ولا نؤثر من أمور الدين ما يكون قربكم أرجح منه. ولكن ثم أمور كبار نخاف الضرر الخاص والعام من إهمالها. والشاهدُ يرى ما لا يرى الغائب. والمطلوبُ كثرة الدعاء بالخيرة، فإن الله يعلم ولا نعلم، ويقدر ولا نقدر، وهو علام الغيوب. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مِن سعادة ابن آدم: استخارته الله ورضاه بما يقسم الله له، ومن شقاوة ابن آدم: ترك استخارته الله وسخطه بما يقسم الله له"، والتاجر يكون مسافرًا فيخاف ضياع بعض ماله فيحتاج أن يقيم حتى يستوفيه، وما نحن فيه أمرٌ يجلُّ عن الوصف، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته كثيرًا كثيرًا وعلى سائر مَنْ في البيت من الكبار والصغار وسائر الجيران والأهل والأصحاب واحدًا واحدًا والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا». مجموع الفتاوى (28/ 48- 50).
***
اللآلىء المصنوعة للسيوطي:
قال الأخ المحقق الشيخ محمود النّحال: "يُطبع قريبًا بإذن عن بعض الجهات الوقفية ببعض دول الخليج، ويقع في (5) مجلدات، وفيه زيادات في جميع أجزاء الكتاب تقدر بمجلدة كاملة، ومقابل على أصول عديدة قرئت على السيوطي، لا سيما النسخة التي بخط تلميذه الداودي، وهذه النسخة يوجد على حواشيها عشرات التعليقات التي نقلها الداوودي من نسخة الموضوعات لابن الجوزي، وأغلبها لابن حجر والهيثمي وغيرهما، وكل ذلك أثبته حرفًا بحرف في هوامش التحقيق، وكذلك جميع تعليقات ابن حجر الموجودة على مختصر موضوعات ابن الجوزي لابن درباس وهي قرابة ٢٠ تعليقًا، وكذلك تعليقات الشمس ابن حسان تلميذ الحافظ ابن حجر، مع تصويب مئات الأخطاء الواقعة في الطبعة القديمة للكتاب، ومقابلة جل ما نقله السيوطي على مصادره الأصلية حرفًا بحرف، مع الرجوع إلى أتقن الطبعات، بل وأتقن الأصول الخطية لهذه المصادر، والكثير منها كان في حوزة السيوطي نفسه، والتنبيه على عشرات الأوهام التي وقعت للسيوطي، وقد وصلتْ أوهامه إلى (18) نوعًا.
وأما المواضع التي نبهتُ فيها على الأخطاء والأسقاط الواقعة في المطبوعات فهي بالعشرات.
وهذا العمل من الأعمال المحببة إليَّ، والحمد لله".
***
منوعات
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة