مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


سلسلة أمهات المؤمنين مارية القبطية رضي الله عنها

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


28/04/2023 القراءات: 387  


سلسلة أمهات المؤمنين
مارية القبطية رضي الله عنها
نسبها
كانت الهدايا جاريتين من جواري المقوقس هما مارية وأختها سيرين، وألف مثقال ذهب، وعشرين ثوباً ليناً، وبغلة اسمها دلدل، وحماراً اسمه عفير أو يعفور، وعبداً يقال له مابور وكان شيخاً طاعناً في السن. ولقد كان والد مارية من خيار القبط في مصر ويدعى شمعون، أما أمها فقد كانت رومية الأصل؛ لذا كانت مارية (رضي الله عنها) بيضاء جعدة، تحمل من سحنة أمها الرومية بياض البشرة، ومن كينونة أبيها جعد الشعر..، وكانت جميلة، حسنة الوجه، ويقال إن اسم بلدتها «أنصنا» في صعيد مصر.
حوار «المقوقس» مع «حاطب»
حين تسلم المقوقس رسالة النبي ﷺ جمع بطارقته مع حاطب ووجه إليه أسئلة تتعلق بالنبي ﷺ وقومه، كما سأله حاطب (رضي الله عنه) عما يتعلق بعيسى عليه السلام مع بني إسرائيل.
قال المقوقس: هلم أخبرني عن صاحبك أليس هو نبياً؟
قال حاطب: بلى، هو رسول الله.
قال المقوقس: فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلده إلى غيرها.
أجاب حاطب: عيسى بن مريم ألست تشهد أنه رسول الله؟
قال المقوقس: بلى..!
قال حاطب: فما باله حيث أخذه قومه فأرادوا أن يصلبوه.. ألا يكون دعا عليهم؟؟
رد المقوقس: أنت حكيم قد جاء من عند حكيم.
وكان مما قاله حاطب للمقوقس: إنه قد كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى فرعون فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، فانتقم به، ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر غيرك بك، وأضاف حاطب: إن هذا النبي ﷺ دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش، وأعداهم له يهود، وأقربهم منه النصارى. وما بشارة موسى بعيسى عليهما السلام، إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا
إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل،
وكل نبي أدرك قوماً
منهم أمته، وبالحق عليهم أن
يطيعوه، فأنت ممن أدرك هذا النبي،
ولسنا ننهاك عن دين المسيح عليه السلام.
فأجابه المقوقس: إني قد نظرت في أمر هذا النبي، فوجدته لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب عنه، ولم أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكذاب، ووجدته معه آلة النبوة بإخراج الخبء والإخبار بالنجوى، وسأنظر.
ولكنه لم ينظر بل ظل على موقفه من نصرانيته، لكنه كان رفيقاً مهذباً، فأرسل رداً على رسالة النبي ﷺ يقول فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام عليك، أما بعد:
فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً قد بقي، وقد كنت أظن أنه يخرج بالأميين وقد أكرمت رسولك، وبعثت لك بجاريتين (مارية وأختها سيرين) لهما مكان في القبط عظيم، وأهديت لك بغلة لتركبها.
في الطريق إلى المدينة
خرجت مارية من الإسكندرية مع أختها سيرين ومابور في حراسة حاطب بن أبي بلتعة وهي لا تدري من أمر مستقبلها شيئاً، أو ما تدخر لها الأيام من خير. سارت وكأنها تسير إلى المجهول، لا تعرف إلى أين ستنتهي، تظهر على محياها سيماء الحزن والتفكر العميق والهموم والوجوم. وأدرك حاطب ما يعتمل في نفسها، وما يجيش في خاطرها، فأقبل عليها مواسياً ومحدثاً، ومازال بها حتى سرى عنها ما بها من ألم وحزن. كما استطاع (رضي الله عنه) بما أوتيه من حذاقة ولباقة أن يقنعها بالإسلام، فآمنت بالله رباً وبمحمد ﷺ نبياً ورسولاً.
وكانت أختها سيرين لا تفارقها، فتستمع لما يقوله حاطب عن الإسلام، وما يحدث به عن شخص رسول الله ﷺ، فشهدت هي الأخرى أيضاً لله تعالى بالوحدانية، ولمحمد ﷺ بالرسالة، إلا مابور فإنه أصر على دينه وعقيدته، ولم يسلم حتى قدم رسول الله ﷺ بالمدينة.
ما دخلت مارية وأختها سيرين (رضي الله عنهما) المدينة المنورة إلا مسلمتين مؤمنتين، وهذه واقعة تاريخية في حياتها تستلفت النظر وتستوقف الباحث. فقد آمنت (رضي الله عنها) برسول الله ﷺ قبل أن تراه، وصدقت برسالته قبل أن تسمعه، وأعجبت بشخصه الشريف قبل أن تعاشره، رغم أنها كانت قد علمت مقامه ومركزه،
ومن هنّ أزواجه.
في المدينة
و ?صل الركب المؤمن إلى المدينة وسلم حاطب رسالة المقوقس وهداياه إلى النبي ﷺ، فاستقبلهم ورحب بهم وأكرم قدومهم، وبالغ في ذلك حين واسى مارية باتخاذها سرية له. كما أنزلها في مكان يسمى العالية (يعرف اليوم بالعوالي) من ضواحي المدينة، وكان يختلف إليها بالزيارة بين الحين والحين، ويرعاها ويعطف عليها، ولقيت منه صلوات الله وسلامه عليه، كل عناية ومحبة، ولم تكن تبدي انزعاجاً أو غيرة من زوجاته ﷺ.
وسيرين
وأقبل يوماً حسان بن ثابت شاعر الأنصار، وشاعر رسول الله ﷺ يخطب سيرين من النبي ﷺ، فزوجه إياها، فأعرس بها، وعاش معها أجمل أيام حياته وأسعدها، وولدت له ولده عبد الرحمن بن حسان الذي خلف أباه في شاعريته الفذة.
أم إبراهيم
وفي أوائل العام الثامن من الهجرة أخذت مارية تحس بآلام الحمل، بعد أن ظهرت عليها عوارضه، فازداد إقبال النبي ﷺ عليها. ومع نهاية العام وضعت ولدها إبراهيم ففرح به النبي ﷺ فرحاً شديداً. ووهب لمن بشره بمولد إبراهيم مملوكاً، ودفع بإبراهيم إلى أم بردة بنت المنذر بن زيد بن النجار لترضعه. وبلغت غبطة النبي ﷺ بولده مبلغها، فإذا هو شديد اللصوق به، كثير التطلع في وجهه الصغير، دائم الحمل له بين ذراعيه في كل مكان يذهب إليه، حتى بيوت نسائه الأخريات، فيقربه منهن، ويقول في عطف وإعجاب: أنظريه ألا ترينه صورة مني؟
وكان من شأن إبراهيم أن تحررت أمه مارية (رضي الله عنها) إذ قال رسول الله ﷺ: لقد أعتقها ولدها.


سلسلة أمهات المؤمنين مارية القبطية رضي الله عنها


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع