رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (36)
د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees
14/02/2023 القراءات: 1173
رسول الله صلى الله عليه وسلم والمساكين:
روى الإمام مالك في "الموطأ" عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره أن مسكينة مرضتْ، فأخبر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمرضها. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودُ المساكين ويسأل عنهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ماتتْ فآذنوني بها، فأخرج بجنازتها ليلًا، فكرهوا أن يُوقظوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بالذي كان مِن شأنها.
فقال: ألم آمركم أن تؤذنوني بها؟
فقالوا: يا رسول الله، كرهنا أن نخرجك ليلًا، ونوقظك. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى صفَّ بالناس على قبرها. وكبَّر أربع تكبيرات.
***
دعوات ما تركها رسول الله أبدًا:
لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هذه الكلمات حين يصبح وحين يمسي حتى فارق الدنيا، وهذا يعني أن لها منزلة عالية وأهمية خاصة، وهذه هي، عسى أن نحافظ عليها:
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح:
اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة.
اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي.
اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي.
اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال مِنْ تحتي. قال وكيع: يعني الخسف.
***
أرفع وسام وأجمل كلام:
من أوسمة الفخر التي نالها بلال رضي الله عنه تزكية النبي صلى الله عليه وسلم له بأنه لا يكذب.
روى الحافظ ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (10/ 463) "عن أبي الورد القشيري قال: حدّثتني امرأة من بني عامر عن امرأة بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاها فسلّم فقال: أثَمَّ بلال؟
فقالت: لا.
قال: فلعلك غضبتِ على بلال؟
قالت: إنه يحبني (كذا في المطبوع، والصواب: يجيئني) كثيرًا فيقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ما حدَّثك عني بلال فقد صدق.
بلالٌ لا يكذب.
لا تُغضبي بلالًا فلا يُقبل منك عملٌ ما أغضبتِ بلالًا".
اللهم اجعلنا من هؤلاء الذين لا يكذبون.
***
انكسار وابتهال:
قال الصفدي في «الوافي بالوفيات» (2/ 196):
«أنشدني [ابن قيم الجوزية] مِن لفظه لنفسه:
بُنَيُّ أبي بكرٍ كثيرٌ ذنوبُهُ … فليس على مَنْ نالَ مِنْ عرضهِ إثمُ
بُنَيُّ أبي بكرٍ جهولٌ بنفسهِ … جهولٌ بأمر الله أنّى له العلمُ
بُنَيُّ أبي بكرٍ غدا مُتصدرًا … يُعلِّم علمًا وهْو ليس له علمُ
بُنَيُّ أبي بكرٍ غدا مُتمنيًا … وصالَ المعالي والذنوبُ له همُّ
بُنَيُّ أبي بكرٍ يرومُ ترقيًا … إلى جنة المأوى وليس له عزمُ
بُنَيُّ أبي بكرٍ يَرى الغُنمَ في الذي … يزولُ ويفنى والذي تركُهُ الغنمُ
بُنَيُّ أبي بكرٍ لقد خاب سعيُه … إذا لم يكنْ في الصالحاتِ له سهمُ
بُنَيُّ أبي بكرٍ كما قال ربُّهُ … هلوعٌ كنودٌ وصفُه الجهلُ والظلمُ
بُنَيُّ أبي بكرٍ وأمثالُه غدوَا … بفتواهمُ هذي الخليقةُ تأتمُّ
وليس لهم في العلمِ باعٌ ولا التُّقى … ولا الزهدِ، والدنيا لديهمْ هي الهمُّ
فو اللهِ لو أنَّ الصحابةَ شاهدوا … أفاضلَهم قالوا همُ الصُّمُّ والبُكمُ»
***
البكاء على الآثار:
قال ابنُ الجوزي في كتابه «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (17/ 84) في حوادث سنة (497):
«في يوم الحادي والعشرين من المحرم وقعتْ منارة واسط، وكان حامد بن العباس قد ابتناها للمقتدر في سنة أربع وثلاث مئة، وكان أهلُ واسط يفتخرون بها وبقبّة الحجّاج، ولمّا وقعت المنارة لم يهلك تحتها أحدٌ، وارتفعَ في واسط من البكاء والعويل ما لا يكون لفقد آدمي»!
***
نبذة في الاستحسان:
جاء في «التعريفات» للجرجاني (ص: 18-19):
«الاستحسان: في اللغة: هو عدُّ الشيء واعتقاده حسنًا، واصطلاحًا: هو اسمٌ لدليل من الأدلة الأربعة يعارض القياس الجلي، ويعمل به إذا كان أقوى منه؛ سمُّوه بذلك لأنه في الأغلب يكون أقوى من القياس الجلي، فيكون قياسًا مستحسنًا، قال الله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}.
الاستحسان: هو ترك القياس والأخذ بما هو أرفق للناس».
وفيه (ص: 181):
«اعلم أنَّ القياس إما جلي، وهو ما تسبق إليه الأفهام، وإما خفي، وهو ما يكون بخلافه، ويسمى: الاستحسان؛ لكنّه أعم من القياس الخفي؛ فإن كل قياس خفي استحسان، وليس كل استحسان قياسًا خفيًا؛ لأن الاستحسان قد يطلق على ما ثبت بالنص وبالإجماع والضرورة، لكن في الأغلب إذا ذكر الاستحسان يراد به القياس الخفي».
وقال الشيخ زكريا الأنصاري في «الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة» (ص: 82): «الاستحسان: دليل ينقدح في نفس المجتهد تقصرُ عبارته عنه، وليس بحجة».
***
القراءة على العلماء:
جاء في «الوافي بالوفيات» (6/ 177) في ترجمة (أبي علي النحوي ختن ثعلب المتوفى سنة: 289):
أحمد بن جعفر الدينوري ختن ثعلب، أبو علي أحد المبرزين المصنفين في نحاة مصر، كان يخرج من مجلس ثعلب وهو جالس على باب داره والطلبة عنده فيتخطى ثعلبًا وأصحابه ومحبرتُه معه ويتوجه إلى المبرد ليقرأ عليه كتاب سيبويه فيعاتبه ثعلب على ذلك ويقول: إذا رآك الناسُ تفعل هذا يقولون ماذا؟ فلم يلتفت إليه.
قال المصعبي: سألتُ أبا علي كيف صار المبرد أعلم بكتاب سيبويه من ثعلب؟
قال: لأنه قرأ الكتابَ على العلماء، وثعلب قرأه على نفسه».
***
الشيخ عبدالكريم المدرس والبرهان للكلنبوي:
حدثني الشيخ عيادة بن أيوب الكبيسي رحمه الله مكاتبة قال: "رحم الله شيخنا العلامة عبدالكريم المدرس، سمعته يقول: كنتُ أعيد "كلنبوي" في المنطق ستين مرة في رمضان. أليس لو أعدتُّ القرآن كان خيرًا لي؟!".
قلت: رحمه الله تعالى، قرأتُ في هذا الكتاب على الشيخ، وكان يحفظه.
***
منوعات
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة