مدونة الدكتور محمد محمود كالو


شجرة الميلاد بين التاريخ والتقليد

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


30/12/2023 القراءات: 144  


شجرة الميلاد بين التاريخ والتقليد
===================
تعدّ شجرة عيد الميلاد من أكثر التقاليد انتشاراً للاحتفال بمولد المسيح عليه السلام والرمز له، وللعلم فالأناجيل المختلفة، القديم منها والجديد بطبعاتها المنقحة والمزيدة؛ مختلفة في التاريخ الصحيح لميلاد الرب أو ميلاد يسوع عل حسب زعمهم، وغالباً ما تُعتمد شجرة الصنوبر (التنوب) الخضراء في جميع فصول السنة، والتي توضع في ركن من أركان البيت مع تزيينها، وهي ترمز -عند المسيحيين- إلى الحيوية والحياة المتجددة.
أما بداية عادة شجرة الميلاد فقد انطلقت من ألمانيا سنة 1539، حيث وُضعت أول شجرة ميلاد أمام كاتدرائية ستراسبورغ (مقاطعة الألزاس) التي كانت تخضع للحكم الألماني في تلك الفترة من تاريخ فرنسا، وأدت هذه الخطوة الأولى إلى إقبال متزايد على قطع أعداد كبيرة من أشجار الصنوبر للاحتفال بأعياد الميلاد، مما دفع السلطات الألمانية سنة 1554 إلى منع هذه الممارسة ومعاقبة قاطعي الأشجار.
في القرن الرابع عشر، كانت أشجار الميلاد مزينة بالتفاح والحلويات والزهور، وكان (البروتستانت) هم من قرروا سنة 1560 إضافة نجمة إلى قمة الشجرة حتى يؤكدوا اختلافهم عن (الكاثوليك)، وترمز هذه النجمة إلى "جبريل" عليه السلام، أو نجمة بيت لحم (موطن ميلاد يسوع بحسب المعتقدات المسيحية).
وجرى الزمان إلى عصر الملكة فكتوريا في القرن 19 حيث كانت هي وزوجها الألماني يحبون شجرة الصنوبر حباً جماً، وفكتوريا هذه كانت أمها أيضاً ألمانية، وجدتها لأبيها ألمانية كذلك، فجعلت هذه الممارسة علنية وعصرية سنة 1848 في المملكة المتحدة، إذ نشرت مجلّة (أخبار لندن المصوّرة) صورة للملكة فيكتوريا وزوجها الأمير ألبارت الألماني وأطفالها مع أفراد العائلة الملكية مجتمعين حول شجرة الميلاد المزيّنة في قلعة وندسور، وباعتبار أن الملكة في تلك الفترة شخصية ملهمة للبريطانيين، فقد تبنى الشعب فكرة وضع شجرة ميلاد في منازلهم للاحتفال بميلاد المسيح عليه السلام.
لكن جزءاً من الأميركيين حارب هذا التقليد باعتباره رمزا وثنياً، وكان (وليام بلاد فورد) حاكم نيو إنجلند قد كتب في مذكراته أنه حاول جاهداً منع تلك العادة الوثنية، إلى أن اعتمد قانون حظرها عام 1659 باعتبارها تدنيساً لحدث مقدس.
ولم تعترف الولايات المتحدة بعيد الميلاد كعطلة رسمية على مستوى الدولة إلا عام 1870.
وظهرت ممارسة إقامة أشجار عيد الميلاد في العلن في الولايات المتحدة في القرن العشرين. وفي عام 1923، ظهرت أول شجرة من ذلك النوع في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض.
أما في سنة 1738، فقامت (ماري ليزينسكا) زوجة لويس الخامس عشر ملك فرنسا بوضع شجرة الميلاد في قصر فرساي، واعتبرت أوّل من أدخل هذا التقليد الاحتفالي بأعياد الميلاد إلى البلاط الملكي الفرنسي.
ومع وصول المهاجرين الألمان أواخر القرن الثامن عشر إلى الولايات المتحدة وتمسكهم بتقاليدهم الاحتفالية بأعياد الميلاد؛ بدأت رؤية شجرة الميلاد تجذب الأميركيين، وبحلول سنة 1850، أصبح وضع شجرة الميلاد في البيوت الأميركية تقليداً يتبعه جزء مهم من المجتمع في تلك الفترة.
في عام 1923، أشرف الرئيس الأميركي (جون كالفن كوليدج) على إضاءة زينة أول شجرة عيد ميلاد وطنية، وفي عام 1933 أضاءت نيويورك أول شجرة عيد ميلاد في مركز روكفلر، ومنذ ذلك الحين انتشر التقليد بين صفوف البرجوازية ومنه إلى عامة الشعب.
وما يقال له: (بابا نويل) هو القسيس نيقولاس وهو من رؤساء الأساقفة في القرن الرابع الميلادي، وكلمة (بابا نويل) تعني (أب الميلاد)، ويسمى في بعض الدول (سانتا كلوز).
وأما أصل كلمة كريسماس [Christmas] فهو اختصار اسم عيد الميلاد "X mas" لأن الحرف الروماني "X" الذي يشبه الحرف اليوناني "X" الذي هو "chi" أي مختصر لاسم المسيح (Χριστός) (خريستوس).
وكلمة (Christmas) مكونة من مقطعين: المقطع الأول هو (Christ) ومعناها: (المخلِّص) وهو لقب للمسيح، والمقطع الثاني هو (mas) وهو مشتق من كلمة فرعونية معناها (ميلاد).
وفي هذه الأيام للأسف يضع بعض المسلمين هذه الشجرة في بيته أو في شارع حيِّه، ويزينها تشبيهاً وتقليداً للمسيحيين.
لتعلم أخي المسلم أن هذه الشجرة رمز ديني لا يجوز وضعها في بيت المسلم ولو لم تحتفل بالكريسماس؛ لما في اتخاذها واقتنائها من التشبه المحرم، أو التعظيم والإكرام لرمز ديني لا تؤمن به، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُم) [رواه أبو داود]، وكما جاء في الكريم: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6].
إنه مشهد صارخ ينم عن تبعية مهينة للغرب، وانهزام نفسي، واستعباد فكري، وذل حضاري، وخنوع قيمي، وضياع للمبادئ، وتحقيق دقيق للحديث الشريف: (حتَّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ) [رواه البخاري]، والضَّبُّ: حَيوانٌ جُحرُه ضيّق شَديدُ الظُّلْمةِ نَتِنُ الرِّيحِ.
فهل يعقل أن يحتفل معهم مسلم بهذا العيد وهم يعتقدون أن الله سبحانه قد ولد في هذا اليوم والعياذ بالله من هذا الكفر؟!
والواجب على الأبوين حفظ أبنائهم وحجزهم عن الحرام، ووقايتهم من النار، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
نسأل الله تعالى أن يهدي شباب المسلمين وفتياتهم إلى اتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والاعتزاز بدينهم وعقديتهم، وأن يخلصهم من هذه التبعية المقيتة، إنه سميع مجيب.


شجرة الميلاد، نيقولاس ، بابا نويل، كريسماس، عيد الميلاد


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع