مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


سلسلة أمهات المؤمنين خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها)(3)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


19/04/2023 القراءات: 443  


ودَّعت خديجة (رضي الله عنها) ابنتها رقية المهاجرة بصحبة زوجها عثمان بن عفان (رضي الله عنه) وهي تكبت في أعماق ذاتها نوازع الأمومة، محتسبة فلذة كبدها وبضعة فؤادها أمانة بين يدي الله تعالى.
القطيعة في شعب أبي طالب
لم تفلح وسائل قريش أبداً في فل عزيمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصحبه، فلجأت إلى سلاح جديد، هو سلاح المقاطعة.
فلا مجالسة، ولا مبايعة، ولا شراء، ولا مزاوجة، ولا مخاطبة، مع الهاشميين وأنصارهم، يعني: لا تعايش على الإطلاق!!
وكتبوا بذلك وثيقة علقوها على جدران الكعبة الداخلية، فاضطر المسلمون ومعهم بنو هاشم الاعتزال في شعب من شعاب مكة عرف بشعب أبي طالب ثلاثة أعوام!! يقاسون من الشدائد والمتاعب والمصاعب ما تنهار له الشم الرواسي، وتتزلزل معه أصلب النفوس.
وكان لأم المؤمنين خديجة (صلى الله عليه وآله وسلم) في سنوات المحنة هذه فضل كبير… كانت تواسي نساء المسلمين بنفسها ومالها، وتغدق عليهم من فيض حنانها ومحبتها، وتنفق إنفاق من لا يخاف فقراً ولا شحاً. ثم انهارت مقاومة قريش أمام صلابة المؤمنين وصبرهم، وصدق عزائمهم، وانجلى الحق وعاد المسلمون إلى مكة وهم أشد مضاءً، وأقوى إسلاماً.
عام الحزن
تتابع نزول الوحي، وأخذ أمر الرسالة يقوى، ورايتها تعلو، ويكثر عدد المؤمنين…، ما جعل الصراع بين الإيمان والكفر يشتد ضرامه وتتوقد ناره، ويلتهب لظاه… وفي عام واحد، العاشر من البعثة النبوية الشريفة، أصيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحادثين جللين جعلاه يسمي ذلك العام بـ”عام الحزن”. فقد توفي عمه أبو طالب الذي كان درعه الواقية، يدفع عنه الأذى، ويحميه من سفه السفهاء، والذي كانت تهابه قريش لمكانته فيها، لقد مات الرجل الذي كفله صغيراً، ورعاه يافعاً، وحماه نبياً ورسولاً، ثم لحقته خديجة (رضي الله عنها). إذ أوهنت سنوات الحصار والمقاطعة بقسوتها وشدة وطأتها جسد النبيلة الطاهرة، والمجاهدة الكريمة الصابرة، فسقطت صريعة المرض.
وأحس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحزن والأسى، كما أحاطت بالفراش الطاهر زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة يبكين أغلى الأمهات وأكثر المجاهدات. ثم دنا منها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باكياً، وهو يقول: «ما أمر الفراق يا خديجة، سيكون في الجنة قصرك الذي أعده الله من لؤلؤ مضيء…» فتجيبه الصديقة مع آخر نسمة من نسمات الحياة: إن شاء الله.
ويبكى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتبكي بناته، ويخلو البيت الكريم من الشعلة الإيمانية التي أضاءت جوانبه وآفاقه، ثمانية وعشرين عاماً.
ولحقت خديجة (رضي الله عنها) بالرفيق الأعلى، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
فضلها وإكرام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاتها
– روى أحمد عن عائشة (رضي الله عنها): «كَانَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ، قَالَتْ: فَغِرْتُ يَوْماً فَقُلْتُ: مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْراً مِنْهَا، قَالَ: مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْراً مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلادَ النِّسَاء»
– وعنها (رضي الله عنها) قالت: «مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَمَا رَأَيْتُهَا وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلا خَدِيجَةُ! فَيَقُولُ: إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ» (متفق عليه).
– أخرج الطبري في تفسيره عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع:… وخديجة بنت خويلد»
– «أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لا صَخَبَ فِيهِ وَلا نَصَبَ» (أخرجه البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه)).


سلسلة أمهات المؤمنين خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها)(3)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع