قراءة في كتاب:إنتاجُ المستشرقين و أثره في الفكر الإسلامي الحديث لصاحبه العلامة مالك بن نبي،ج2
03/05/2021 القراءات: 2206
تتمة للحزء الأول نعود للحديث عن كتاب إنتاج المستشرقين الذي يطرح فيه العلامة مالك بن نبي العديد من الأسئلة، و منها: هذا التساؤل الرائع على لسان العالم الإسلامي:
هل نكون أو لا نكون؟
ثم يستطرد بينما تلمح ريشة الساعة إلى الاحتمال الثاني أي لا نكون( نظرة إستشرافية لواقع عالمنا اليوم).
و قد أكدت نكبة 1967 على عبث كل التشييدات السياسية و العسكرية التي تعتمد على ظاهرة الشيئية أي تكديس الأشياء( تكديس الأسلحة و الذخيرة) التي ذابت في أول ساعة تواجه مع إسرائيل.و عليه ليس بعمل جدي تكديس الأشياء التي تتآكل أو تنتهي صلاحيتها بمرور الوقت، بل الذي ينفع الناس هو تجديد الأفكار بصورة جذرية.
ثم يستنتج مفكرنا : أن الإنتاج الاستشراقي، كان شرا على المجتمع الإسلامي، لأنه ركب في تطوره العقلي عقدة الحرمان سواء في صورة المديح و الإطراء التي حولت تأملاتنا عن واقعنا في الحاضر و أغمستنا في النعيم الوهمي الذي نجده في ماضينا، أو في صورة التفنيد و الإقلال من شأننا بحيث صيرتنا حماة الضيم عن مجتمع منهار، مجتمع ما بعد الموحدين.
يطرح كذلك مفكرنا تساؤلا جوهريا في هذا الشأن: ما إذا كان يستطيع القرآن أن يخلق في مجتمع ما المناخ المناسب للروح العلمي؟، و أن يطلق فيه الأجهزة النفسية الضرورية لتقبل العلم من ناحية، و لتبليغه من أخرى؟
و هنا يؤكد مفكرنا أن الإسلام قد جاء بالمناخ المناسب لتطور العلوم، فموقف الإنسان المسلم أمام عالم الظاهرات، و المنحدر الذي تتبعه العقلية الإسلامية تحت دفعة النص القرآني، و المناخ العقلي الجديد الذي ستتطور فيه هذه العقلية، هذه الأشياء هي في التالي العناصر الأساسية للقضية، فحسب.
كما أنه لا يمكن إغفال في حسابنا أن كل ما ينتجه العقل في هذا القرن الخاضع لمقاييس الفعالية، لا يخلو من بعد عملي قد يستغل في ميدان السياسة و الانتفاع حيث تصبح الأفكار، ما سما منها و ما كان تافها، مسخرة لتكون وسائل إفتضاض الضمائر و العقول.و بهذا فإن هناك من يستخدم إنتاج المستشرقين لغايات خاصة في عالمنا.و هذه الغايات = افتضاض الضمائر يمكن تلخيصها كما يلي: "إن كل فراغ إيديولوجي لا تشغله أفكارنا، ينتظر أفكارا منافية، معادية لنا." و هذا بطبيعة الحال وفق قاعدة "الطبيعة تمقت الفراغ".
و هكذا يرى مفكرنا الإنتاج الاستشراقي و دوره في إطار ما يسميه الصراع الفكري. ثم يتساءل :
كيف يجب أن يكون عملنا الفكري في هذا الإطار؟
ثم بدون تفصيل في الموضوع يقدم المفكر الملاحظات التالية حول الموضوع:
أن الاستقلال السياسي لا يكفي و لا يشفي إن لم يدعمه الاستقلال الاقتصادي، و هذا وفق قاعدة لا خير في أمة لا تأكل مما لا تنتج.
أن المجتمع الذي لا يصنع أفكاره الرئيسية لا يمكنه على أي حال أن يصنع المنتجات الضرورية لاستهلاكه، و لا المنتجات الضرورية لتصنيعه، و لن يمكن لمجتمع في عهد التشييد أن يتشيد بالأفكار المستوردة أو المسلطة عليه من الخارج سواء كانت تمت إلى الاستشراق أو الشيوعية أو إلى غيرها من المصادر.
علينا أن نستعيد أصالتنا الفكرية، و استقلالنا في ميدان الأفكار حتى نحقق بذلك استقلالنا الاقتصادي. و السياسي ذلك أن أمننا السياسي مرتبط ارتباطا وثيقا بأمننا الاقتصادي، و هذا ما تؤكده الآية الكريمة في قوله تعالى: ﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾(سورة قريش، الآية4) . و يدعم هذه الأفكار ما ذهب إليه الأستاذ عبد الرحيم السايح أنه لنواجه الاستشراق علينا أن نعمل على إصدار عدة موسوعات و دوائر معارف في التاريخ، و العقائد، و الأدب، و الأخلاق، و الفقه، و الحديث، و مختلف العلوم، و الفنون؛ لأن المعركة فكرية سلاحها انتشار الكلمة.
و من خلال هذه الدراسة يتبين لنا أن الإنتاج الاستشراقي بكلي نوعيه: المادح للحضارة الإسلامية و المنتقد لها المشوه لسمعتها، كان شرا على المجتمع الإسلامي، لأنه ركب في تطوره العقلي عقدة الحرمان سواء في صورة المديح و الإطراء التي حولت تأملاتنا عن واقعنا في الحاضر و أغمستنا في النعيم الوهمي الذي نجده في ماضينا أو في صورة التنفيذ و الإقلال من شأننا بحيث صيرتنا حماة الضيم في مجتمع منهار.و قد أدرك هذه الصورة الكثير من الباحثين منهم: الباحث حيدر حب الله حين كتب يقول: بل بلغ الأمر حد اعتقاد مفكر كبير من أمثال مالك بن نبي أن الاستشراق قام بمؤامراته عن طريق تبجيل المسلمين أكثر أو يرى في تقريظه للفكر و التاريخ الإسلامي سماّ في المسلمين كما أثاره مالك بن نبي.
إنتاجُ المستشرقين؛ الفكر الإسلامي الحديث؛ مالك بن نبي؛صناعة الأفكار؛الفراغ الإيديولوجي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة