الدكتور مخلص السبتي


التفكير وأنماطه ، في تعدد المعارف وتكاملها .

الأستاذ الدكتور مخلص السبتي | PhD Moukhliss Sebti


13/01/2023 القراءات: 972  


التفكير حركة ذهنية واعية تنطلق من مسلمات وتستهدف ربط أسباب بمسببات تقتضيها مسلمات الانطلاق فإن قيد بقيد أصبح التفكير منضبطا بضوابط قيده مسترشدا به دالا عليه .
إن كان منطقيا ، أو كان تقنيا ، أو كان فنيا ، أو كان دينيا ، أو عاطفيا ، أو علميا
التمييز أساس المعرفة ، والتصنيف أساس الجودة (وفيه فصل المتشابهات عن بعضها ) ، ولذلك ينبغي التمييز بين أنواع التفكير ووظائفه ، فلكل شكل من اشكال التفكير وظيفته الخاصة لا يمكن أن يجاوزها إلى غيرها .
من الممكن تقسيم التفكير إلى ستة أصناف باعتبار القيمة أو الفاعلية أو المجال أو السرعة ، أو التجديد ، أو الوظيفة :
1. باعتبار القيمة : قيم وتافه ، خير وشرير، ذكي وغبي ، مثالي وواقعي ، متفائل ومتشائم ،إيجابي وسلبي
2. باعتبار الفاعلية: (فاعل ومنتظر ، مبادر وتابع ..)
3. باعتبار المجال: (ضيق ومتسع ، منفتح ومغلق ، خيالي وواقعي ، ماضوي ومستقبلي وآني ..)
4. باعتبار السرعة: ( تفكير سريع وآخر بطئ ، ولكل أدواته وأساليبه ، ينتج عن ذلك تدبير مركزي أو تدبير مفوض ، إدارة بيروقراطية أو عملية ، تيسير المواصلات أو إهمالها ، حفظ المواعيد أو التساهل فيها... )
5. باعتبار التجديد: ( تجديدي وترديدي ، ابتكاري واجتراري ، نقدي وتسليمي ، التعليم : تلقيني أو تفاعلي )
6. بالاعتبار المعرفي : وذلك حينما يسعى التفكير للجواب عن الأسئلة الكبرى التي تواجه الإنسان (سؤال أين الخلل؟ كيف أصل إلى تحقيق المنفعة ؟ما موقعي في هذا الكون ؟ ما المشاعر التي أريد ؟ لماذا حدث كذا ؟ وما هي العلل الكلية وراء حدوثه ؟)
المعرفة الإنسانية أصناف ، لكل صنف وظيفة خاصة به ، مع منهج ونتائج ، وهي دائمة التجدد والتغير ، ولكي تسهم المعارف في تطور المجتمعات ورقيها لا بد من أمرين اثنين :
الأول : وعي القيادات الاجتماعية بأهمية إنتاج المعرفة وإشاعتها .
الثاني : تمكن القيادات من تحقيق انسجام المعارف مع بعضها على اختلاف أصنافها ومناهجها ومخرجاتها ، فالمنطق والعلم والتقنية والفن والعاطفة والقانون والأخلاق والدين كلها أصناف معرفية مختلفة عن بعضها من حيث المجال والوظيفة والمنهج ، وهي على هذا الاختلاف قد تتحد في النتائج بحكمة المشتغلين فيها وانفتاحهم على بعضهم وسعيهم لخدمة الانسان في أبعاده المختلفة وحاجياته المتنوعة ، وقد تتناقض فتربك سير المجتمعات وتشتت جهود الفاعلين داخلها .
وإذا كانت المعارف الإنسانية متعددة الوظائف والمناهج والنتائج ، فإن استعمال منهج معرفة معينة داخل حدود معرفة أخرى يفسدهما معا ، وكذلك فالتماس وظيفة معرفة معينة من معرفة أخرى يفسدهما أيضا ، ولا يبقى غير الاعتراف بتعدد المعارف والعمل على اتحاد النتائج وتكاملها .
واختلاف المعارف يتضح على أربع مستويات على الأقل .
1. مستوى السؤال :
• يسعى المنطق للإجابة عن سؤال الصواب والخطأ (أين الصواب ، وأين الخطأ ؟) باحثا عن التناسق الذهني بين المعطيات بهدف التحرر من الأخطاء وكشف التناقضات .
• ويسعى العلم للإجابة عن سؤال العلة الكلية ( لماذا حدث أو يحدث كذا ؟) لذلك فهو منضبط بضوابط البرهنة الحسية والتجريبية والموضوعية والمحايدة والمستقلة عن كل انتماء بما في ذلك الانتماء للتخصص .
• و التقنية للإجابة عن سؤال الكيف ( كيف أصل إلى تحقيق منفعة كذا ؟ ) فالبحث منصب على تحقيق منفعة مادية أو معنوية مباشرة وواضحة .
• والفن للإجابة عن سؤال الذوق الجميل ( أين مكمن الجمال ؟ ) ملتمسا مكامن المتعة في الأشكال والألوان والأصوات والعبارات والتصرفات ...
• والعاطفة للإجابة عن سؤال المشاعر من محبة و كراهية أو خوف وأمان ، أو طمع وقناعة .. ( ما مشاعري تجاه أمر ما ؟ ) هي ذاتية خالصة ، وإنما يحدد المرء خياراته في الأخذ والترك ، والإقدام والإحجام ..على أساس مشاعره الذاتية القلبية ، ثم يأتي العقل بعد ذلك ليفعل ويبرر
• والقانون للإجابة عن سؤال التشريع الاجتماعي ( على أي شيء نتفق ؟ ) فهو متعلق بإرادة المشرعين ساع لتنظيم مختلف مجالات النشاط الإنساني في الحال والاستقبال .
• والأخلاق للإجابة عن سؤال الخير والشر ( ما هو التصرف الأقرب للخير والأبعد عن الشر ؟ )
• والدين للإجابة عن سؤال الموقع والموقف (ما موقعي في هذا الكون وما موقفي منه ؟) وهو مرتبط بتعاليم مستمدة من إله ومقتبسة من تجربة روحية لزعيم ملهم .
2. مستوى الوظيفة : وذلك أن المنطق ينظم التفكير في الموجود ، والعلم يطلع على ذات الموجود ، والتقنية تطلع على المنفعة من الموجود ، والفن على جمالية الموجود ، والعاطفة على طرق التصرف إزاء الموجود ، والقانون على طرق الحفاظ على الموجود ، والأخلاق على الواجب تجاه الموجود ، والدين على موجد الوجود ودور الإنسان في الوجود ، ومصيره بعد الوجود .
3. مستوى المنهج : حيث يتجه المنطق إلى طلب الانسجام الذهني ، والعلم إلى طلب القانون الكلي ، والتقنية إلى طلب المنفعة ، والفن إلى طلب الجمال ، والعاطفة إلى المشاعر الذاتية ، والقانون إلى الإرادة العامة ، والأخلاق إلى المصلحة العامة ، والدين إلى الإيمان بالغيب .
4. مستوى النتائج : قد يكون الدين علميا وقد لا يكون ، وقد يكون الفن أخلاقيا وقد لا يكون ، وقد تكون العاطفة قانونية وقد لا تكون ، وفاعلية الإنسان هي في استمرار البحث عن الحقيقة في مختلف تمظهراتها وتعدد صيغ التعبير عنها ، ونجاحه في إيجاد الصيغ الملائمة المتجددة التي تجتمع عندها كل المعارف فتخدم الإنسان وتساهم في تطوره وإسعاده .
والمثير أننا يمكن أن نتناول القضية الواحدة من خلال نمط واحد من التفكير ، كما يمكن أن نتناولها من خلال أنماط متعددة ،ولا بد لكل تواصل بناء من توحيد النمط المستخدم لكي يتم التواصل على نفس الاتجاه فيكون مثمرا .



تفكير - علم - منطق - فكر - دين - تكامل المعرفة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع