مبادئ الدراسات المستقبلية
06/01/2023 القراءات: 1152
مقدمـــة
من الملاحظ أن الكثير من المربين ورجال التعليم في مناطق مختلفة من العالم – كأنما يعدون تلامذتهم للعيش في الماضي لا في لمستقبل ، ذلك أن الكثير من المناهج التربوية تجعل نظر المتعلم مصوبا إلى الخلف (حيث المادة المعرفية للعلوم والفنون والأديان والفلسفات..) أكثر مما تجعله موجه للأمام (حيث الخيال المفتوح على إمكانات وفرص التطوير والتجديد والتجاوز) ويستمر هذا الإخلال بالتوازن حتى يعتاد المتعلم عليه في حياته الدراسية ، ثم في حياته العملية عندما يعهد إليه برفع جزء من تحديات واقعه ، وهناك يبدي قدرا من العجز والتردد ، فمعظم تكوينه إنما أهله لفهم إنجازات الماضي وتحدياته وإشكالاته ، ولم يؤهله – إلا عرضا – لبناء بدائل المستقبل وإمكانات التحرك فيه
وما لم يتحمل الخريج مسؤولية إعادة تأهيل نفسه وترتيب معارفه وتوجيهها ، فإنه سيكون جزء من المشكلة لا من الحل ، على أن هذا التأهيل ليس بالأمر اليسير ولا بالقصير ، بل يتطلب جهودا ذاتية مضنية قد تستمر لسنوات ، فضلا عن كونه غير متاح لكل خريج ، والنتيجة أن على الكثير من المجتمعات تحمل تبعات نظم تكوين قاصرة تهدر الطاقات وتستنزف الجهود ، وتبني الحواجز بين الأمم والشعوب ، وتسهم في تجدد الصراعات....وما لم ينتبه إليه المربون والموجهون منذ البداية هو أن لا أحد يستطيع تطوير واقعه بمجرد تجميع معارف ماضيه ، بل بتحمل مسؤولية التفكير لمستقبله ، وتحمل هذه المسؤولية هو غاية الدراسات المستقبلية
فكيف يمكن بناء حس مستقبلي عام يوجه الطاقات ويفيد المؤسسات والمجتمعات ؟
وكيف يمكن أن يكون الماضي وسيلة لفهم المستقبل وحسن التصرف فيه ؟ وكيف يمكن أن يكون عائقا دون ذلك ؟
وكيف يمكن بناء تصورات مستقبلية عملية تتيح توسيع الآفاق والتمكين من الاستفادة من الفرص وتجنب المخاطر أو تقليصها قبل وقوعها ؟
مبادئ الدراسات المستقبلية :
ست مداخل تبين مدى أهمية التفكير الاستراتيجي والدراسات المستقبلية نعتبرها مفاتيح ضرورية لمناهج وأدوات الاستشراف سواء بالنسبة للمقاولات كبيرها وصغيرها ، أو بالنسبة للإدارة والمؤسسات العامة .
هي مداخل ست ، أولها التسارع مقابل الرتابة ، ثم التجاوز مقابل الاكتفاء ، ثم التوقع مقابل التكرار ، فالخيال مقابل التسليم ، والاستعداد مقابل الانسحاب ، وفي الأخير مبدأ المبادرة مقابل الانتظار، أي في قليل من الاستشراف كثير من الفائدة .
المبدأ الأول : التسارع كان الإنسان في الماضي قادرا عموما على توقع تطورات واقعه ومسارب حياته بشكل عفوي تلقائي غالبا ، حيث كان التغير بطيئا ويستمر لأجيال متعاقبة ، وكان يكفي للمرء أن يتكيف مع محيطه المباشر من خلال ما يتلقاه من ثقافة مجتمعه لكي يتمكن من التأثير في مستقبله بعض التأثير، أما اليوم ، فقد أصبح التغير شاملا و سريعا ومؤثرا في كل مفاصل الحياة ، وليس الأمر هكذا فحسب ، بل إن هذا التغيير يزداد تسارعه باستمرار ، إلى الحد يرى فيه الخبراء أن المعرفة الإنسانية أضحت تتضاعف كل عشر سنوات ، ومن المنتظر أن تتضاعف كل خمس سنوات ، ثم أقل بفعل التطور الهائل والمتسارع لوسائل إنتاج المعرفة وتطويرها ، وهذا يجعنا نقف كل حين على أبواب عهد جديد يتطلب دوام التكوين والتعلم لنتمكن بذلك من الاستعداد لما يمكن توقعه في المستقبل من أخطار للتخفيف منها ، ومن فرص لنحسن إمكانات الاستفادة منها .
المبدأ الثاني : التجاوز.أصبحنا اليوم في عالم تفقد فيه المعرفة باستمرار حداثتها وراهنيتها ، فتجددها المستمر وتراكمها أفقيا وعموديا يجعل قسما كبيرا مما يتم تدريسه يتقادم بسرعة ، ويجعل الكثير من المتخصصين يعيشون نفسيا في الماضي ، فأغلب معارفهم تغدو بسرعة جزء من تاريخ المعرفة لا من المعرفة ، فما يعرفونه منها إنما قد يكون وضع المعرفة في فترة من فتراتها السابقة.ولهذا لا يجدي أبدا الاكتفاء بما أخذناه في تعليمنا الرسمي ، ثم نعتبر أن ما تعلمناه يبقى صحيحا سليما ، بل علينا أن نخوض عملية تكوين لا ينقطع في المجالات التي تهمنا ، وفي المجالات المتعلقة بها ، فالمعارف لا تتطور بمعزل عن بعضها، ولا بمعزل عن محيطها ، بل بالتفاعل المستمر مع الذات والمحيط
المبدأ الثالث : التوقع في الماضي كان الأنبياء يخبرون ويبشرون وينذرون أقوامهم عبر وسائل غيبية لم تكن متاحة لأحد دونهم ، كانوا يخرجون إلى الناس بنبوءات مشروطة اعتبرت مصدر إرشاد وتوجيه ، أما اليوم وبعد انقضاء عصر الأنبياء وبداية عصور العلماء ، فإن تجميع نتائج العلوم يتيح شيئا من التنبؤ بأحداث المستقبل وانعطافاته الكبرى ، فالعلم له خاصية تنبؤية بما يكشف عنه من قوانين ، ومن خصوصيات القوانين الثبات والاطراد ، وبذلك فالتوصل إلى معرفة مسارها يمكن من معرفة آثارها الواقعية على مستقبل الإنسان وتحولات محيطه ، وهذا يتيح إمكانيات واسعة لتوظيف القانون لتحقيق منافع مادية ومعنوية غير محدودة .
خاتمة : ليس الاستشراف إذن مجرد ترف فكري أو تكهن سلبي بما سوف يكشف عنه المستقبل من أحداث ، بل هو سعي علمي لاستباق الأحداث قبل وقوعها وضبط وتسطير ما نرجوه وما يمكن وما نتوقع .وبذلك فقد أضحى الاستشراف المنهجي اليوم :
أداة ضرورية للرفع من جودة القرارات التي تتخذ على سائر المستويات الخاصة والعامة.
وسيلة استعداد لمواجهة الطوارئ والمخاطر التي يمكن أن تعترض مخططاتنا في أي لحظة .
مستقبل - منهج - تسارع - تجاوز
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف