مدونة محمد الصديق احمموشي


الوجود المسيحي في المغرب إلى غاية نهاية القرن التاسع عشر

محمد الصديق احمموشي | Mohamed Seddik Hmamouchi


05/05/2023 القراءات: 630  


تؤكد معظم المصادر التاريخية أن أهل المغرب كانوا يدينون بالنصرانية خلال الفترة الرومانية قبل مجيء الإسلام، ويعتبر النص الذي يحكي عن استشهاد القديس سانت كاسيان بطنجة في القرن الثاني الميلادي أول نص مكتوب يؤكد الوجود المسيحي بالمغرب. كما شكلت منطقة تمودا بالشمال مركزا أسقفيا في القرنين الرابع والخامس الميلادي، إذ مثّل القديس دوناتوس هذا المركز الأسقفي بمجمع قرطاج سنة 411م.
وبعد دخول الإسلام إلى المغرب عقب الفتوحات الإسلامية مع عقبة بن نافع الفهري سنة 62 هـ، وبعده موسى بن نصير سنة 92 هـ، استمر المغاربة في اعتناق المسيحية في مجموعة من المناطق مثل طنجة وتطوان وأصيلا وجبالة وتامسنا وشالة وتادلا، إلى أن جاء مولاي إدريس الأكبر فوحّد القبائل المغربية تحت دين الإسلام وقضى على النصرانية ولم يعد هناك ما يؤشر على أي نوع من التواجد المسيحي بالمغرب.
استمر هذا الوضع بعد نهاية حكم الأدارسة مع إمارات مكناسة ومغراوة وبني مدرار والبورغواطيين، إلى غاية حكم المرابطين الذين لم يسمحوا أيضا بتشييد الكنائس على أرض المغرب، على الرغم من أنهم كانوا متسامحين مع النصارى خلال حكمهم للأندلس.
وتتفق جل المصادر التاريخية المسيحية على أن أول تواجد مسيحي في المغرب كان خلال القرن الثالث عشر الميلادي زمن حكم الدولة الموحدية. إذ أرسل زعيم المذهب الفرنسيسكاني فرانسيسو دي أسيز Francisco de Asis خمسة رهبان من فرنسا إلى المغرب سنة 1208م لنشر الدين المسيحي وسط المسلمين. ولما علم ملك المغرب بالأمر، اعتقلهم وأبعدهم إلى سبتة. إلا أنهم رجعوا مرة ثانية إلى مراكش ووزعوا الإنجيل بين المغاربة، فقتلوا سنة 1220م بأمر من السلطان الموحدي يوسف بن محمد، فاعتبرهم المسيحيون آنذاك شهداء البعثة الأولى بالمغرب. وتفيد المصادر أنه بعد هذا التاريخ وبالضبط سنة 1230م، شيدت أول كنيسة في مدينة مراكش كان يقصدها النصارى المقيمون بالمدينة قصد العبادة وسميت كنيسة القديسة مريم، ما يدل على بداية علاقة جيدة بين المسلمين والنصارى خاصة على عهد الملك الموحدي المأمون. أيضا شهدت سنة 1250م تعيين الخليفة الموحدي أبو حفص المرتضى راهب يعنى بأمور النصارى المقيمين بالمغرب.
بعد انتقال الحكم إلى المرينيين، تراجع نشاط النصارى بالمغرب ولم يعد لهم أي أثر بالمغرب، خاصة بعد إلغاء الحكام المرينيين للاتفاقيات التي أبرمها المأمون ومن جاء بعده مع الفرنسيسكان الإسبان، واضطر الكرسي الحواري إلى تخصيص مقر لأسقفية المغرب بإشبيلية، بحيث كان الرهبان المعينون باسم كنيسة المغرب يكتفون بالاستقرار بإشبيلة ويراقبون الوضع في المغرب من هناك.
توقف النشاط المسيحي بالمغرب خلال القرون الثلاثة الموالية بسبب الاحتلال البرتغالي لشواطئ المغرب ودخول المسلمين في صراعهم مع المسيحيين خاصة خلال حكم السعديين الذين أعلنوا الجهاد ضد المستعمر، ولم يكن ممكنا الحديث عن أي نشاط مسيحي في المغرب خلال هذه الفترة.
وخلال بداية حكم الدولة العلوية عرف النشاط المسيحي في المغرب بعد التقدم خصوصا خلال حكم المولى إسماعيل والمولى محمد والمولى سليمان، وسُمح للرهبان تشييد كنائسهم في عدة مدن مغربية. وعلى الرغم من جهود هذا السلطان الأخير في نشر السلم والسماح للنصارى بممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية، فإن انعدام الأمن بسبب اندلاع الثورات داخل المغرب خاصة بعد وفاته سنة 1822م أسهم في مغادرة الرهبان للمغرب وبقي القليل منهم بطنجة فقط. وتتحدث المصادر عن بقاء راهب واحد خلال حكم المولى عبد الرحمان وهو الراهب الإسباني فرانسيسكو بالما Francisco Palma سنة 1851م.
ومنذ حلول منتصف القرن التاسع عشر، دخل المغرب مرحلة جديدة في علاقاته مع الجماعات المسيحية. فقد ظلت وضعية المسيحيين بالمغرب خلال هذه المرحلة محكومة باتفاقيات دولية مع الدول الأجنبية. إذ اشترطت أنجلترا في معاهدة 1856م لرعاياها وتجارها المقيمين بالمغرب حرية العبادة وإقامة صلوات الجنائز على موتاهم، ونص فصلها الخامس صراحة على أن للرعايا الأنجليز "الأمن التام على أنفسهم وأموالهم، ويتدينون بما هو من أمور دينهم من غير أن يتعرض لهم أحد بمنع أو سبّ. وتعين لهم مقبرة لدفن موتاهم ويخرجون لدفنها ءامنين محفوظين في ذهابهم وإيابهم". كما تلتها سنة 1861م معاهدة أخرى أبرمت مع إسبانيا ضمنت لرعاياها حرية إقامة الشعائر الكاثوليكية فوق أرض المغرب المسلمة، بحيث ضمنت المادة السادسة من معاهدة مدريد التجارية في 20 نونبر 1861م، لجميع الرعايا الإسبان بالمغرب حق الاحتفال بقداس الدين الكاثوليكي في منازلهم أو في كنائسهم، وكذا الحق في امتلاك مقابر.
جدول 1: الهيئات البروتستانتية في المغرب سنة 1900م
الهيئات المسيحية البروتستانتية السنة المبشرون المساعدون المجموع المراكز
لندن دجويس سوسايطي 1875 2 1 3 1
بريتيش أند فورين بايبل سوسايطي 1882 2 3 5 1
نورث أفريكا ميشن 1883 37 13 50 6
سنطرول مروكو ميشن 1886 4 0 4 1
سوذرن مروكو ميشن 1888 19 0 19 4
ميدواي دجويس ميشن 1889 3 0 3 1
كوسبل يونيون ميشن 1889 3 0 3 1
ا


المسيحيون؛ المغرب؛ حرية التدين


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع