مدونة صلاح عبدالسلام قاسم الهيجمي
دلالة المنطوق في كتاب دلالة تراكيب الجمل عند الأصوليين
صلاح الهيجمي | Salah Abdulsalam Qassim Alhaigami
04/06/2020 القراءات: 5579
الأستاذ: صلاح الهيجمي
هذه مقالة علمية تلخص دلالة المنطوق من كتاب (دلالة تراكيب الجمل عند الأصوليين) لمؤلفه د. موسى بن مصطفى العبيدان، ودار النشر: الأوائل للنشر والتوزيع – سوريا، دمشق، والطبعة الأولى، عام 2002م، وهي جزء من الباب الرابع: طرق الدلالة التركيبية، وعدد صفحاتها: 24 صفحة من صـ269 -293، وأبتدئها بتمهيدٍ أتحدث فيه عن المراد بدلالة المنطوق عند الأصوليين، ثم سأتحدث عن قسميْه: الصريح، وغير الصريح.
تمهيد: الوحدة الكلامية
يربط الأصوليون دلالة الوحدة الكلامية بقصد المتكلم التقييمي؛ ويعد الأصوليون القصد هو المحرك الأول للخطاب وتحديد نوعه إن كان إبلاغيًا أو اقتضائيًا (أمرًا أو نهيًا أو طلبًا)، وقصْد المتكلم المثالي في نظرهم ثابت لا يتغير، وعلى السامع أو المتلقي معرفته وتحديده، ويرون أن الوحدة الكلامية وسيلة للتعبير عن القصد، ووسيلة لمعرفته وفهمه.
ويطلق الأصوليون على الوحدة الكلامية الدالة على المعنى المقصود مصطلح (المنطوق)، ويعنون به ما يُفهم من صريح اللفظ، وينظرون إلى اللغة في المجتمع باعتبارها ذات وظيفة تواصلية تعاملية تؤثر في البيئة الاجتماعية، والسبب في ذلك يعود إلى أن الأصوليين يتعاملون مع نصوص الكتاب والسنة التشريعية التي غايتها التأثير في البيئة الاجتماعية.
أقسام المنطوق
ولما كانت الوحدة الكلامية هي وسيلة للدلالة على المعنى الذي يقصده المتكلم المثالي فقد تدل عليه بحرفيتها، وهو ما يطلق عليه المتكلمون من الأصوليين مصطلح (المنطوق الصريح)، وقد تدل الوحدة الكلامية في الوقت نفسه على معانِ لا تدل عليها ألفاظها بحرفيتها وإنما هي معان تابعة تستلزمها ألفاظ الوحدة الكلامية، وقد تكون هذه المعاني أسبق إلى فهم السامع من المعاني التي تدل عليها النصوص بحرفيتها، وهذا النوع من المعاني التابعة هو ما يطلق عليه الأصوليون مصطلح (المنطوق غير الصريح).
أولًا: دلالة المنطوق الصريح
وهي دلالة الوحدة الكلامية على القصد بمجرد سماعها من غير حاجة إلى تأمل وإعمال فكر، ويستوي في ذلك أبناء اللغة الواحدة، ولذلك يقصد بـ(المنطوق الصريح) الدلالة الأصلية التي يفيدها ظاهر الوحدة الكلامية، والتي ينتقل إليها الذهن انتقالًا مباشرًا؛ فإذا ما استخدم المتكلم الدلالة الأصلية للدلالة على قصده فإن المتلقي بمجرد سماعه لها يستطيع أن يستدل على ما قصده المتكلم مباشرة؛ بحكم انتقال المعنى المقصود من الوحدة الكلامية إلى الذهن بدلالة الصيغة وحدها انتقالاً مباشرًا.
وتشمل دلالة المنطوق الصريح عند الأصوليين دلالة الطلب والخبر والتنبيه وما يعتري الوحدة الكلامية من حيث العموم والخصوص والوضوح والغموض والحقيقة والمجاز، ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ (البقرة – 275)؛ حيث دل النص بمنطوقه الصريح على (جواز البيع)، ودلت عليه الوحدة الكلامية (أحلّ اللهُ البيعَ)، و(تحريم الربا) ودلت عليه الوحدة الكلامية (وحرّمَ الرّبا).
ثانيًا: دلالة المنطوق غير الصريح
وعرّف الأصوليون (المنطوق غير الصريح) بأنه ما لم يوضع اللفظ له بل يلزم مما وضع له فيدل عليه بالالتزام، وهذا يُعنى به ما هو مقصود ضمنًا من الوحدة الكلامية، وهذا المعنى الضمني يعد عندهم طريقة من الطرق التي من خلالها يمكن معرفة قصد المتكلم واستنباطه، ويقصد بالمنطوق غير الصريح الدلالة التابعة؛ وهي الدلالة التي ينتقل الذهن فيها من الوحدة الكلامية إلى معناها ومنه إلى معنى آخر لازم له، وتنجم عن نوعين من علاقات المعنى؛ الأول: ما ينجم عن علاقات التفاعل بين الألفاظ ومعاني النحو، وهو ما يعرف بمصطلح العلاقات النسقية؛ وهذا النوع يتكون من تضافر بنية الإخبار والسياق والأسلوب، والثاني: ما ينجم عن التعبيرات الفنية كالمجازات والكنايات، وهو ما يعرف بمصطلح العلاقات الاستبدالية.
ودلالة المنطوق غير الصريح منها البيّن الجلي، ومنها الخفي الذي لا يُدرك إلا بطلب تأمل وإعمال فكر، وقد قسّم الأصوليون دلالة المنطوق غير الصريح إلى ثلاثة أقسام هي:
1) دلالة الاقتضاء:
ويقصد بها دلالة الوحدة الكلامية على المقصود بواسطة معنى اللفظ المقدَّر واقتضته استقامة الكلام، وهذا يبين أن دلالة الاقتضاء عند الأصوليين تتعلق بالبنية العميقة التي تتم بموجبها استقامة الكلام على ثلاثة أنواع هي:
الأول: ما يجب تقديره لضرورة صدق الكلام، والمقصود به مطابقة الكلام للواقع وعدم مخالفته له مثل قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) من حديث عبدالله بن عباس: "إن اللهَ وضع عن أمتي الخطأَ، والنسيانَ، وما استُكرهوا عليه" (أبو حاتم الرازي (٢٧٧ هـ)، البدر المنير ٤/١٧٧)، والتقدير: (إثم الخطأ والنسيان...).
والثاني: ما يجب تقديره لضرورة صحة الكلام عقلًا مثل قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ﴾ (المائدة – 3) والتقدير(أكل الميتة...).
والثالث: ما يجب تقديره لصحة الكلام شرعًا مثل قوله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ﴾ (البقرة – 184). والتقدير (فأفطر فعدة..).
2) دلالة الإيماء:
تكون فيها الوحدة الكلامية دالة على المقصود بمضمونها وليس بصيغتها ومنطوقها، والناظر في حد دلالة الإيماء عند الأصوليين يدرك أن مدارها التعليل أو العلة التي تفهم من مضمون الوحدة الكلامية وليس من منطوقها، ومثالها قوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ﴾ (النور – 2)؛ فإنه يفهم من مضمون لفظ الوحدة الكلامية أن الزنا هو علة بالجلد لكل منهما، وهذه علة غير منطوق بها ولكنها لازمة لمعنى الفاء الدال على التعقيب.
3) دلالة الإشارة:
ومثالها من القرآن قوله تعالى: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ (آل عمران – 159)؛ فنص الآية بمنطوقه الصريح يدل على مشاورة ولي الأمر للمسلمين، وهذا المعنى المتبادر من النص يدل بإشارته إلى معنى لازم له وهو ضرورة إيجاد مجموعة من أهل الحل والعقد من الأمة تمثلها وتُستشار في أمرها.
دلالة المنطوق، الأصوليين، الوحدة الكلامية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أعجبني مصطلح الوحدة الكلامية، خاصة أنني أبحث عنه في ثنايا بعض أبحاثي، لتبيان أهمية توضيح القصد الدقيق من الجملة المراد توجيهها لغرض معين. دمتم بخير . يهمنا رأيكم عبر هذا الرابط: https://portal.arid.my/ar-LY/Posts/Details/4de4baa7-ba2f-46a9-b26e-854139a5b0d1
شكرا لك د. ريمه عبدالإله الخاني.