الجزية في ضوء نص بردية عربية مؤرخة لشهر رمضان 196 هـ/ ماي 812م
عبد الكريم بحوصي | Abdelkarim Bahoussi
05/02/2024 القراءات: 979
نص الوثيقة:
1. بسم الله الرحمن الرحيم
2.هذا كتاب براءة( ) من يونس بن < عبد >الرحمن( ) عامل الأمير عباد بن محمد( ) أبقاه الله
3. على خراج كورة( ) الفيوم( ) و معونتها و جميع أعمالها
4. أبقيرة( ) الخباز من سكان أباطرة من قرى الفيوم
5.وهو مجتمع( ) أبيض( ) أقنى( ) أزج( ) أنزع( ) سبط( ) جـ[ئـ]ـر( ) الجسم
6. أني قبضت منك جزية راسك نصف دينـــــر
7. لخراج سنة خمس و تسعين و ماية فمن لقيه من عمال الأمير أبقاه الله
8. و عمالي و أعواني فلا يعرض له إلا بخير ان شاء الله
9. و كتب في شهر رمضان سنة ست و تسعين و ماية
10. أبقيرة يدفع جزية رأسه نفسه
الختم. بالله يؤمن يونس بن عبد الرحمن
التعقيب على نص البردية:
دأب الحال على أن تُستفتح الكتابات و الوثائق و المراسلات بالبسملة " بسم الله الرحمن الرحيم"، و يندر أن تخلو وثيقة من الوثائق العربية الإسلامية من ذلك، خاصة إذا تعلقت بجهة رسمية كوثائق الجزية و الخراج و الزكاة و غيرها، و في ذلك اقتداء بالنبي محمد صلى لله عليه و سلم، في مراسلاته إلى الملوك و الحكام ( عبد الرحمان التميمي، 1990، ص 03) و مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم " كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر" ( محمد بن صالح العثيمين، 2004، ص 17) و معنى ذي بال أي حال شريف و يهتم به، كالتصنيف و التأليف و التدريس، و في كل الأمور المهمة، و تعني الأبتر: الناقص البركة. ( محمد بن احمد السفاريني، 1982، ج1، ص 34) و هذا ما يفسر ورود " بسم الله الرحمن الرحيم" في هذا النص، و التي أصبحت تكتسي طابع الرمزية للدلالة على سلطة الخلافة.
و من زاوية أخرى إذا لاحظنا طريقة الكتابة و نوع الخط يتبين أن النص كتب بخط كاتب يتقن الكتابة لوضوحه و سهولة قراءته،بما يدل على أن الكاتب ماهر استُعمل لوظيفة الكتابة من طرف جهة رسمية تمثل الخلافة، ما يُؤكده السطر الثاني من النص، و في ذات السطر إشارة إلى اسم " يونس بن عبد الرحمن" الذي كان يشغل منصب عامل الأمير "عباد بن محمد"، أما يونس بن عبد الرحمن، و الذي عاش في الفترة الزمنية التي يشير إليها النص لم يرد له ذكر في كتب السير و التراجم و الأعلام – في حدود اطلاعي- غير أنه و من خلال نص البردية يتضح أنه أحد المُستَعملين على الخراج و الجزية على كورة الفيوم و المناطق التابعة لها، ويتضح أن يونس بن عبد الرحمن كان له أعوان و عمال مكلفين بالجمع و الاستلام، و هذا ما يشير ليه السطر الثامن من النص، ما يبرهن على مدى اتساع جهاز الجزية والخراج من جهة، و على وجود أهل الذمة في البلاد الإسلامية من جهة ثانية.
وأما عباد بن محمد فقد كان واليا على مصر زمن الفتنة بين الأمين و المأمون، إذ قبل وفاة الخليفة العباسي هارون الرشيد (170 - 193هـ/ 786 - 808م) أوصى بولاية العهد لأبنائه الثلاثة: الأمين، والمأمون، والمؤتمن ( محمود شاكر، د.ت، ج 1ـ، ص 167) وأدَّت هذه الوصيَّة إلى قيام الحرب بين الأمين والمأمون، التي انتهتْ بمقتل الأمين وانفراد المأمون بالخلافة، وأدَّت تلك الأحداث إلى قيام العديد من الولاة والقادة بالاستقلال عن الخلافة العباسية وكانت مصر من الأقاليم التي تأثَّرت بهذا الصراع، فقد تنازَع القادةُ حكمَها؛ فتارة يحكمون بأمر الأمين وتارة بأمر المأمون، وأخرى بإجماع الجند، ومن الولاة الذين تناوَبُوا على حكم مصر خلال تلك الفترة: عباد بن محمد البلخي.
وعندما بدأ الصراع بين الأمين والمأمون على الخلافة كان والي مصر هو جابر بن الأشعث بن يحيى الطائي، الذي ولاَّه الأمين على مصر في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة 195هـ 811م، فأرسل المأمون إلى عبَّاد بن محمد البلخي رسالة يأمره فيها بإعلان خلع الأمين من الخلافة، فأعلن عباد خلع الأمين وأخذ البيعة للمأمون في جمادى الآخرة سنة 196هـ، 812م، وفي شهر رجب من السنة نفسها عيَّن المأمون عباد بن محمد البلخي واليًا على مصر، واستمرَّ في الحكم حتى عزله المأمون في صفر سنة هـ198،813م ( محمد بن يوسف الكندي، د.ت، ص ص157-177)
و هذا يؤكد أن الاضطراب السياسي الذي كان حاصلا حول الخلافة طال مصر وباقي الولايات الأخرى التابعة للخلافة العباسية، ما يدعونا للتساؤل عن أثر هذا الاضطراب في الحياة المالية حينها؟
من الدلالات التي تشير إلى الاضطراب، العملة المتداولة حينها، فبعد أن تولى عباد بن محمد الولاية في مصر مباشرة، قام بضرب العملة و حمل الدينار الذي ضربه، إشارة الولاء إلى المأمون، فكان نص ما ضرب عليه كالآتي ( . Lane-Poole S .1897.p65)
الوجه: مركز: لا إله إلا
الله وحده
لا شريك له
عباد
هامش: محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله.
الظهر:
مركز: للخليفة
محمد
رسول
الله
المأمون
هامش: بسم الله ضرب هذا الدينر سنة ست وتسعين ومئة.
وبذلك نقش عباد بن محمد البلخي اسم المأمون على نقوده منذ سنة 196هـ/ 812م، على الرغم من أن الأمين كان هو الخليفة الشرعي حتى مقتله سنة 198هـ/ 813م، وكسب المأمون جولة في الصراع بينه وبين الأمين، وكان المأمون قد أعلن نفسه خليفة منذ سنة 195هـ/ 811م عندما أسقط الأمين اسمه من الخطبة، وخلعه من ولاية العهد وعين ابنه موسى بدلاً منه، وضرب المأمون النقود بوصفه خليفةً وأميرًا للمؤمنين قبل مقتل أخيه الأمين ( احمد أبو الفرج العش،1984، ص237)
نظم مالية، جزية، برديات عربية، خلافة عباسية، إيرادات، خراج
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
هناك جزء ثاني لهذا المقال ستنشر إن شاء الله
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة