الجذور التاريخيّة لنشأة حُقوق الإنسان في الغرب
11/10/2020 القراءات: 4451
قديمًا اعتبر القديس أوغسطين( ت 430 م) Saint Augustin أنّ المدينة السماويّة أعظم و أجلّ من المدينة الأرضيّة لأنها تؤدي الى حب الله المؤدي الى الانصراف عن الذات و عن الكون، واعتبر أنّ العقل البشريّ عقلٌ قاصر عن المعرفة بحكم انعدام قانون عقلانيّ يحكم الأشياء و رأى أنّ الطبيعة شيء فاقد لكلّ معنى وهي في كل لحظة متعلِّقة بالإرادة الإلهيّة. فأقام تفسيره للتاريخ على أساس من العناية الالهيّة. و لقد سادت هذه الفكرة فلسفة التاريخ في القُرون الوسطى فلم تحتو فلسفة القديس أوغسطينوس على الشروط النظريّة المولدة لمفهوم حقُوق الانسان في الغرب شأنه في ذلك شأن القديس أنسلم (ت 1109م) Saint Anselm الذي رأى في الايمان شرطًا ضروريّا للعقل وصحّة تفكيره. و في القرن الثاني عشر الميلاديّ ظهرت جملة من المدارس عُرفت فيما بعد بالمدارس السكولائيّة و كان من بينها الفلسفة التوماويّة (Le thomisme ) نسبةً للقدِّيس توماس الأكويني Saint Thomas d’Aquin في القرن الثالث عشر الميلادي (ت 1274).لقد مثلت الفلسفة التوماويّة شرطا نظريّا لظهور مفهوم حقُوق الانسان في الغرب وهذا الأمر ناشئ عن علّة مردّها تسليم القديس توماس بمُشاركة العقل البشري في الشريعة الأزليّة، وهذه المُشاركة الحاصلة بين الخليقة الناطقة والشريعة الالهيّة يقال لها شريعة طبيعيّة، تمخض عنها ما يعرف بنشوء نظريّة القانون الطبيعي أو الحقِّ الطبيعي. هذه النظريّة جعلت من حقّ الاختيار والأخطاء المُصاحبة له حقّا طبيعيّا يمثلُ صورة معبرة ومجسّمة عن الإرادة الالهيّة . لقد غلّب الأكويني في تصورّه للذات الإلهيّة الجانب العقلاني على الجانب الإراديّ، واعتبر أنّ هنالك قانونا أبديّا يسير الكون وفق مقتضياته ولا يعدو أن يكون هذا القانون العقل الإلهيّ وبتطويعه الإرادة الإلهيّة للعقل الإلهي حرّر الأكويني العقل البشري واعتبر أنه بإمكان الإنسان الارتقاء إلى معرفة عقلانية لجزء من هذا القانون الأبديّ جعله الخالق في متناوله وهو القانون الطبيعي .فتوصّل الأكويني بذلك إلى إنزال الحقيقة على الأرض وجعلها في متناول العقل البشري. يسير الكون وفق قانون والطبيعة كذلك، فأصبحت الطبيعة كتابا يقرأ ومصدرا للمعرفة وأصبح العقل وسيلة للمعرفة على عكس القديس أوغسطين الذي اعتبر الايمان أمرا سابقا للتعقل ( آمن لكي تتعقل). ولكن على الرغم من إيمان الأكويني بحرية الانسان وبالضمير المخطئ الذي يتصرف ضدّ نفسه وضدّ الإرادة الإلهيّة، ورغم ايمانه العميق بأن الدخول في الايمان مسألة حريّة شخصية، فإنّه اعتبر في مقابل ذلك بأنّ الضرورة الاجتماعية تفرض على الصيّاد أن يحترم قانون الصيد فمن يتصرّف ضد ّضميره يكون مخطأ حتى وإن كان مؤمنا. ولا يمكن في كل حال من الأحوال أن يعذر الإنسان بجهله للقانون الإلهيّ أو الكنسيّ أو الطبيعيّ وهذه المقاربة تنطبق على كل من يقترف خطيئة مميتة دون استثناء. خلاصة القول: توما الأكويني مثّل أوّل شرط نظري لظهور مفهوم حقوق الإنسان في الغرب ولكنّه رأى في مقابل ذلك بأنّ كل ما من شأنه أن يشكل خطرا على المجتمع أو على الجماعة الاجتماعيّة يجب أن يستئصل من عالم الأحياء بالموت العاجل كي لا تسري عدواه إلى سائر الجسد الاجتماعيّ وهو أمرٌ يتعارض بل ويتناقض مع مفهوم حقوق الإنسان الذي نظّر له في خلاصته اللاهوتيّة . المراجع: - توما الأكويني، الخلاصة اللاهوتيّة. - توفيق الطويل، قصّة النزاع بين الدين والفلسفة. -حسن القرواشي، الفكر المسيحيّ في مواجهة الحداثة.
أوغسطين، توما الأكويني.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع