مدونة الأستاذة الدكتورة / إيمان الجمل
أثر البيئة على قول الشعر وغزارته
إيمان السيد أحمد الجمل | eman elsayd ahmad el gamal
05/01/2022 القراءات: 3442
من آثار المكان على الإنسان ما جعل القيرواني يورد في عمدته سؤالاً طرح على "كُثَيْر عزة" في إلهامات المكان للشعراء، فيقول: «كيف تصنع إذا عسر عليك الشعر؟ قال: أطوف في الرباع المحيلة، والرياض المعشبة، فيسهل عليّ أرقنُه، ويسرع إليّ أحسنه»( ).
فالمكان له تأثير مباشر على قول الشعر بما ينتجه من مثيرات إيحائية، وليس في ذلك دخل لحجم المكان أو صفته، فهو إن شغل حيزًا كبيرًا أو قليلاً أو كان جميلاً أو غير ذلك، فإنه لا يمثل أهمية ذات بال في عملية التأثر والتأثير، فكل إنسان يحب بيئته ومكانه مهما كانت وعلى أي صفة وجدها، لأنها تحمل بالنسبة إليه أبعادًا نفسية وجاذبية خاصة لا يدركها غيره ؛ مما يجعل المكان حاضرًا بقوة في التشكيلات الشعرية.
وإذا كان المكان من وجهة النظر الغربية ينقسم حيًّا وجامدًا؛ ويعتبر هذا الجامد لا حياة فيه ولا تأثير، فإن الفكر الإسلامي يختلف مع هذه النظرة، يقول مونسي: «شاء الفكر الغربي أن يقسم الموجودات إلى حية وجامدة لا حياة فيها. ومنه كانت علوم الحياة وعلوم الطبيعة، وكأن هذه الأخيرة مواد خالية من كل حرارة، وإنما جعلت لتكون مواد وحسب. إلا أن الفكر الإسلامي لا يتصورها كذلك. فهي تتمتع بحياة خاصة، لا نفقهها نحن، وتتحدث بلسان لا نعيه، وهي في مناجاة مستمرة مع خالقها بأنه التسبيح والتحميد، تنفعل لأوامره ونواهيه، تفرح وتحزن وتخاف، وقد نعجب اليوم أن مثل هذا الفهم لم يعمر حياتنا، حتى نرى الحجر والشجر أحياء تعيش وتشعر وتألم!»( ).
وهذه الفكرة المشعة بالحياة هي ما نجدها عند الشاعر العربي حين يقف أمام الجوامد يحادثها وتحادثه يبثها لواعجه وتشاركه تلك المشاعر.
ولما أن كانت الأندلس كما وصفها الشكعة بلاد جميلة: «خضرة وماء، وبساتين وأنهار، وجبال وسهول، وفاكهة ورياحين، ثم أضفت الحضارة الجديدة الوافدة عليها من الرقي ما جعل سكانها يحافظون على روح الجمال الطبيعي في بلدهم وينمونه ويزيدون فيه فأصبحت الأندلس أغنية عذبة في فم الشاعر ينشدها وهو بين ظهرانيها، وأنشودة ساحرة على لسانه يرددها وهو مغترب عنها»( ). فقد تعددت الفضاءات المكانية التي أودعها الشاعر مواجده وعواطفه في كل أحواله وفي كل ما يتعرض إليه، متدفق الشعور متوقد القريحة، يعبر فيها المكان عن رؤى الشعراء المتباينة وفق ثقافات ودلالات عديدة. فاتّثقت بذلك العلاقة بين الشاعر الأندلسي والأمكنة التي تمثل تجاربه، وهو في ذلك يجد سعادة حين يصف هيئاتها أو حين تترجم أحواله؛ فقد أصبحا أليفين وكأنما غدت تحمل صفاته الإنسانية ذاتها.
البيئة الشعر
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع