مدونة الدكتور حميد ابولول جبجاب


ايران وتركيا سنوات من الصراع / الجزء الثاني

الدكتور حميد ابولول جبجاب | heemed Apoulol Chibchab


08/02/2023 القراءات: 1686  


في المقابل لم تستجب حكومة طهران للمطالب التركية، احتجاجا على الحملة العسكرية التي تجاوزت فيها القوات التركية على أراضي إيران، وشهدت العلاقات بين الطرفين منذ شهر أكتوبر عام 1929م توترا، حيث سحبت إيران سفيرها من (أنقرة) وأخطرت السفير التركي في(طهران) بالعواقب الوخيمة لما أحدثته الحملة التركية الأخيرة وإغارتها على القرى الحدودية ، وفي نوفمبر عام 1929م، وعند حضور اجتماع عصبة الأمم حاول وزير الخارجية الإيراني(محمد علي فروغي) بيان موقف إيران مما جرى على حدود بلاده مع تركيا، بعدها وجه القائم بالأعمال التركية في طهران برقية إلى الحكومة الإيرانية أوضح فيها أن حكومته بصدد وضع خطط جديدة في سبيل إنهاء التمرد الكردي.
كما طلب من الحكومة الإيرانية المساعدة العسكرية تجنباً للانسياق وراء أزمات السنوات السابقة. كانت القضية الكردية قد أدت إلى بلورة العلاقات الإيرانية التركية، حيث توافقت مصالح البلدين لإنهاء تلك القضية، وعدم السماح بإقامة دولة كردية منفصلة، لما له نتائج سلبية في كلتا الدولتين لوجود الأكراد فيهما، لهذا شكلت المدة (1927-1930م) حلقة فاصلة في تاريخ العلاقات الإيرانية التركية وعلى إثر تلك التطورات عادت العلاقات الإيرانية التركية إلى طبيعتها.
وما إن جاء عام1930م حتى ظهرت مسألة فض الخلافات الحدودية بين البلدين، حيث أمر (أتاتورك) وزير خارجيته (توفيق بك) بالتوجه إلى طهران وإجراء محادثات بهدف إنهاء الأزمة الحدودية مع إيران، بحيث تتمكن تركيا بعد موافقة إيران السماح لقواتها النظامية باجتياز الحدود الإيرانية المشتركة معها لمطاردة المسلحين الأكراد والقضاء على تحركاتهم في المنطقة الحدودية، فكان من نتائج ذلك القضاء على الحركة الكردية قضاءً مؤقتاً فانعكس ذلك إيجاباً على العلاقات الإيرانية التركية.
ففي يناير من عام 1932م قام وزير الخارجية التركي(توفيق رشدي) بزيارة إلى طهران لبحث مشكلة الحدود مرة أخرى وتمخضت الزيارة عن التوصل إلى اتفاق بين البلدين وضع أسس الاتفاق التجاري والاقتصادي الذي نص على إعطاء تسهيلات كبيرة للأتراك في إيران، والموافقة على مد خط حديدي من تبريز إلى طرابزون مروراً بمنطقة أرضروم، والموافقة على مرور البضائع الإيرانية عبر الخط الحديدي بطريق الترانزيت، وإعادة النظر في معاهدة الصداقة الإيرانية – التركية وإبرامها وفق مقتضيات تتفق مع علاقتهما الجديدة.
جاءت زيارة (رضا بهلوي) إلى أنقرة في الثاني من يونيو عام1934م لتدفع مسار العلاقات بين تركيا وإيران إلى مدارات أكثر تطوراً بسبب ما تمخض عنها من نتائج مهمة وما رافقها من اتفاقات توصل إليها مع نظيره (مصطفى كمال أتاتورك) ، وقد شهدت السنوات اللاحقة سعياً محموماً لعقد ميثاق مع بعض دول الشرق الأوسط يقف حائلاً أمام المد الشيوعي من جهة وخُتم بتوقيع ميثاق (سعد آباد) في عام 1937م ليصب في هذا الاتجاه وليوثق العلاقات الإيرانية– التركية أكثر فأكثر، حيث تم الاتفاق على ميثاق (سعد آباد) بتاريخ الثامن من يوليو عام 1937م، الذي جمع علاوة على إيران وتركيا كلاًّ من العراق وأفغانستان، وقد وقِّعَ الاتفاق في (قصر سعد آباد) في إيران.
تضمن الميثاق بنود عدة وقَّعها كل من (ناجي الأصيل) وزير الخارجية العراقي و(فايز خان) وزير خارجية أفغانستان و(عناية الله سامي) وزير خارجية إيران و(توفيق رشدي آرز) وزير خارجية تركيا، وتضمنت بنوده تبنِّي سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، واحترام الحدود المشتركة للدول الموجودة فيه، وأن يستشير بعضهم بعضا في الأمور المتعلقة بالصراعات الدولية التي تتعلق بمصالحهم المشتركة، وعدم الاشتراك في أي اعتداء على دول الميثاق، وضرورة الاستعانة بمجلس عصبة الأمم لحل المشاكل المستعصية، فيما دعت المادة الأخرى إلى التعاون المشترك لضرب كل الحركات المعادية التي قد تحدث في المناطق الحدودية وكان يقصد من وراء ذلك الأكراد.
وألحق بالميثاق بروتوكول نص على تأليف مجلس مشترك يتكون من وزراء خارجية الدول الموقعة عليه، وأن يجتمع مرة واحدة في السنة على الأقل، وتكون له سكرتارية خاصة وما إن قامت الحرب العالمية الثانية واشتد أوارها حتى تحددت مواقف العديد من الدول منها، وكان موقف كل من إيران وتركيا في بداية الحرب هو الوقوف على الحياد.
وبالنسبة لتركيا لم يكن وقوفها على الحياد عملا سهلا بل كلَّف البلاد غاليا، فقد كان لهيب الحرب يكاد يطال الحدود التركية من كافة الجهات، كما أن التهديد الخارجي كان يهدد الأتراك؛ ولهذا حافظت تركيا على وجود قوة عسكرية ضخمة للدفاع عن البلاد في حالة اقتراب الخطر منها، وكان حيادها حيادا مسلحا باهظ الثمن وقد حافظت تركيا على اتصالها الوثيق بالبريطانيين الذين لعبوا دورا رئيساً في تجهيزها بالمعدات العسكرية وكان الإنكليز يعملون على محاولة إدخال تركيا الحرب إلى جانبهم، حيث قامت بالعديد من الاجتماعات والزيارات من أجل ذلك، لكن تركيا استمرت في حيادها من الحرب إلى أن وضعت الحرب أوزارها في عام 1945م، بذلك جنبت تركيا نفسها الدمار وبقيت على علاقة جيدة مع الأطراف المتحاربة.


تاريخ صراع


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع