مدونة د. محمد أحمد مجتبى السيد أحمد
المعاجم اللغوية إرث العربية الثمين
د. محمد أحمد مجتبى السيد أحمد | Mohamed ahmed mojtaba
24/02/2025 القراءات: 12

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله العليّ الأعظم ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الذي أبان مسائل الشرع بحديثه الأفخم وعلى آله وصحبه الذين وعوا سنته بالحفظ المحكم ، حتى صار كل واحد منهم في العلم كالمحيط الأعظم ، أما بعد فإن التراث اللغوي العربي حافل بشتى أنواع التأليف على جميع المستويات اللغوية ، من أصوات وصرف ، ونحو، ودلالة ، وقد كان اهتمام العلماء السابقين بالمعنى في اللغة العربية ؛ دافعا مهما من دوافع التأليف المعجمي ؛ الذي كان الهدف منه حفظ ألفاظ اللغة ؛خدمة لنصوص القرآن والسنة. وقد تعددت طرق التأليف المعجمي، وتنوعت المعاجم اللغوية؛ وإن من أهم المعاجم وأكثرها تأليفا وتنوعاً في المناهج معاجم الألفاظ، ومعاجم المعاني؛ التي لا يمكن الاستغناء عنها في فهم نصوص اللغة العربية. لقد كان لعلمائنا الأوائل دور كبير في الحفاظ على اللغة العربية وصونها، انطلاقا من واجبهم الديني والقومي ، حيث طفقوا يجمعون اللغة من أفواه العرب الفصحاء ؛ الذين لم تخالط لغتهم عُجمة ؛ وهم أولئك الذين استوطنوا بوادي جزيرة العرب مثل قبائل قيس، وأسد ، وتميم ،وهذيل ولعل طبقة العلماء الرواة هي أُولى طبقات علماء اللغة ظهورا ؛ والذين كثيرا ما يرد ذكرهم في مظان اللغة كالأصمعي ، وأبي عمرو بن العلاء، وأبي حاتم السجستاني، وأبي زيد الأنصاري وأبي عمرو الشيباني، والخليل بن أحمد ، ويونس بن حبيب ، والكسائي ، وغيرهم وقد عمد هؤلاء الرواة في بداية أمرهم إلى جمع اللغة وتدوينها دون ترتيب معين ، ثم ظهر بعد ذلك نمط الرسائل ؛ وهو نمط من التأليف يعمد فيه المؤلف إلى جمع ألفاظ لغوية تندرج تحت موضوع واحد ، وقد مهدت تلك الرسائل لظهور المعاجم بنوعيها ، معاجم المعاني ومعاجم الألفاظ . ولا شك أن الخليل بن أحمد (175 هـ) هو رائد التأليف المعجمي المبوب ؛عندما سبق بتأليف معجمه الشهير(كتاب العين) والذي ألفه وفق منهج لم يسبق إليه ، راعى فيه ترتيب المواد على مخارج الحروف ؛ مع اتباع منهج رياضي مُحْكَم يتجلى في نظام التقاليب؛ الذي أراد أن يحصر به جميع ألفاظ اللغة، المستعمل منها والمهمل ،ثم ظهرت أنماط أخرى من أنماط التأليف المعجمي منها ترتيب المواد حسب أواخر الحروف ، ومنها كذلك الترتيب الهجائي حسب أوائل الحروف ، ومن المعروف أن معظم المعاجم اللغوية قد ظهرت في المشرق أولا ، مثلها مثل الكتب المؤلفة في علوم اللغة الأخرى ، من نحو ، وصرف ، وأدب ، وبعد أن فُتحت الأندلس التي نشأت فيه حضارة باسقة طاولت عنان السماء ، أخذ الأندلسيون علم تصنيف المعاجم من جملة ما أخذوا من إخوانهم المشارقة ؛ مع اهتمامهم بطريقة الخليل في كتاب العين، وظهرت عندهم معاجم مشهورة مثل معجم البارع لأبي علي القالي، والمحكم والمخصص لابن سيده الأندلسي، ولم يتوقف التأليف المعجمي بل ظهرت معاجم أخرى بعد ذلك لعل أشهرها أكبر المعاجم العربية وأوسعها وهو معجم تاج العروس من جواهر القاموس، أما في العصر الحديث فقد أكمل علماء اللغة مسيرة التأليف المعجمي وألفوا معاجم كثيرة سعوا فيها إلى التبسيط والتسهيل حتى تلائم طبيعة العصر، واختتم التأليف المعجمي في زماننا بدرة الزمان ومعجزة العصر، فلقد من الله على أمة العرب والمسلمين بتحقيق مطلبٍ سامٍ، ومقصدٍ شريف، طالما حلمت الأمة بتحقيقه منذ عقود طويلة . إن هذا الحلم الجميل، والمطلب النبيل؛ هو أن يكون لأمة العرب والمسلمين معجم تاريخي يؤرخ لألفاظ العربية منذ فجر تاريخها إلى يومنا هذا، ولقد اقتضت مشيئة الله تبارك وتعالى أن لا يتحقق هذا الأمر مدة قرنٍ من الزمان، إلى أن قيض الله له علماء أجلاء من مختلف مجامع اللغة العربية في بلاد العرب، فبذلوا في تأليفه جهوداً كبيرة حتى أينع ثمره، وآتى أكله في مئة وسبعة وعشرين مجلداً ، ولله الحمد والمنّة.
المعج العربي- المعجم التاريخي- لسان العرب- معاجم الألفاظ- التأليف المعجمي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع