عزاء ومواساة في وفاة ربان اللغة الدكتور/ عبد الواحد الخميسي
وديع الجــــابري | WADEEA AL-JABERI
05/06/2020 القراءات: 1357
َ
على مثله فلتبكي البواكيا
إنا لله وإنا إليه راجعون حسبنا الله ونعم الوكيل، صراحة ما زلت غير مصدق للخبر للآن، الخبر نزل علي كالصاعقة، ولأول مرة أجدني عاجزاً عن التعبير، وقلمي يأبى التسطير، وكلماتي عصية على التحرير.
أجدني تجتمع في داخلي قواميس العزاء التي جاء بها الأولون والآخرون، وقصائد الرثاء التي نظمها الشعراء الجاسرون، وروايات الأسى التي نسج خيالاتها الروائيون الماكرون، وقصص العاشقين التي سطر تفاصيلها العاشقون الهائمون!!
رغم كل تلك المشاعر التي تتلاقفني وترعدني إلا أني أقف عاجزاً أن أطلق لها عنان قلمي، وكأني به يصرخ بي:
أيها الفتى العنيد!
اليوم بُكـــــــاء وغداً رثــــــــاء، فإنّ دمع دواتي قد جفّ، فلتخط رثاءك بدواة عينيك، وإن لم يفِ فدواة دمِك تسعفك، فابكه دماً!!.
كيف لا؟!
وهو العاشق لفنون اللغة، وقبطان فلكها، وربان سفنها، ودليل بحورها، بل هو ياقوتها ومرجانها!.
إن أردت مشاهدة اللغة العربية وهي تتحدث عن نفسها فتقول:
أنا البحر في أحشائه الدُّر كامن
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
فستجدها متجسدة في كيان لسانها الصادق الدكتور/ عبد الواحد الخميسي، فهو البحر، وهو الدر، وهو الغواص، وهو الصدف، ولكنه ما كان يوماً كامناً فقاموسه ليس في مفرداته الكمون!.
قال لنا ذات يومٍ وهو يفصفص لنا قواعد النحو، ويعلمنا السباحة في بحور عروضها، ويصّرف لنا مفرداتها، مرصعاً لباسها بالمحسنات اللفظية، والوشاحات البلاغية بمعانيها ناصعة البيان:
أعمل على مؤلف فريدٍ في بابه، لتفسير القرآن الكريم تفسيراً لغوياً شاملاً لفنون اللغة إن قدر له التمام فستشد إليه الرحال، وسيخلو له المجال، وسيكون مرجعاً لكل دارس، ومتنزهاً لكل فارس، ومشتلاً يقطف منه كل غارس، لا ينزل بستانه أحدٌ إلا عاد منه بحمل بعير من الدر والنفائس، وقد كان يأتينا في دروسه منه ببعض الفرائد والقلائد ما تسلب الألباب، وتقف الأفهام لها ذهولاً ودهشة وتعجباً، فأرجو من الله أن يكون قد أتمه، وأتمنى من خلفه حفظه والعمل على نثر دره للناس، فقليله كثير، وكثيره مثير ومداده غزير.
أفل نجمٌ طالما علا وأشع، وهوى بدرٌ طالما أضاء ولمع، ومضى غيثٌ كان حيثما وقع نفع، فاستبشروا يا أهل القبور فضيفكم عزيزٌ، ولتندبوا حظكم يا أهل الدور فمصابكم جليل.
نسأل الله له الرحمة والمغفرة والعتق من النار، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وجازه بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً ومغفرة ورضواناً لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى.
اللهم إنه قد بات الليلة في ضيافتك فأكرمه فأنت الكريم، الرحيم، الحليم، اللهم إن كان ضيفنا لأكرمناه فأكرم نزله ووسع مدخله.
اللهم إننا أحببناه فيك، وما علمناه إلا محباً لكل ما يرضيك، مسارعاً إليك، ومنافحاً عن دينك وسنة نبيك فيا الله تولاه وارفع درجته في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
عظم الله أجرنا جميعاً، واخلف علينا وعلى أهله وذويه الصبر والسلوان، وربط على قلوبنا وقلوبهم، إنا لله وإنا إليه راجعون.
اليوم بكـــــــاء وغداً يكون الرثــــاء!
نقطة من أول السطر.
الأسيف/ وديع عبد الله
مدونة وديع الجابري اليمن ماليزيا الفكر أيدلوجيات
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع