مدونة أ.د.اخلاص باقر هاشم النجار
الامتثال الضريبي ما بين تطبيق القانون وخرق السرية المصرفية
اخلاص باقر هاشم النجار | Prof.Dr.Ikhlas Baqir Hashem Al-Najjar
17/05/2020 القراءات: 4501
الفاتيكا FATCA)))) مختصر Foreign Account Tax Compliance Act قانون الإمتثال الضريبي الأمريكي للحسابات الخارجية ، أي الإجراءات التي تجعل مصلحة الضرائب الأمريكية تقضي على التهرب الضريبي ، على سبيل المثال ( إذا قام أمريكي بدفع قيمة قسط أو ثمن شقة نقداً ، وتم إكتشاف هذا المبلغ من الشركة البائعة ، ووضع المشتري قد لا يستطيع شراؤه أو يستطيع ، ولكن ليس هناك سحبات من المصرف ، فسوف يتعرض المشتري إلى المساءلة ، من قبل مصلحة الضرائب فإما أن يكون متهرب من الضرائب، أو لديه دخل غير مشروع ، وفي كلتا الحالتين سيكون مدان إذا لم يستطع أثبات مصدر هذا المبلغ ، وبموجب قانون FATCA)) تلزم الحكومة الأمريكية المصارف والمؤسسات المالية على إرسال المعلومات عن الحسابات والأصول الخاصة بالأمريكيين التي لهم حسابات لديها إلى مصلحة الضرائب متجاوزة كل الإجراءات والقوانين وكل ما يخص سرية الحسابات المصرفية ، ويقع تحت هذا القانون الحاصلين على الإقامة الدائمة بالولايات المتحدة ومزدوجي الجنسية ، كما ويعرض القانون معايير عدة يمكن أن تساعد المصارف والمؤسسات المالية الدولية في توسيع قواعد البيانات وتحديد ما إذا كان العميل أمريكياً أم لا ، مثل مكان الولادة وعنوان المراسلات ووكالة ممنوحة لشخص بعنوان في الولايات المتحدة وتعليمات لتحويل مبالغ إلى الولايات المتحدة ، وتوقيع العملاء على قبولهم كشف حساباتهم لمصلحة الضرائب الأمريكية وغيرها .
وعلى الرغم من ان القطاعات المصرفية العربية ليست على نسق واحد من التقييم ، فلكل منها سياسته القانونية والإجرائية التي يتميز بها في عمله المصرفي ، ولكن من خلال التجانس بين المصارف المركزية العربية وتطوير منصات وآليات التنسيق والتعاون فيما بينها ، ومن خلال الهيئات العربية المشتركة ، أمكن إرساء أرضية مصرفية شبه تماثلية في مقاربة المعايير الدولية ومواءمة إلتزامها بما يتناسب مع وضعية كل بلد وكل قطاع ، وأن القطاعات المصرفية العربية بعامة في وضع مناسب في الالتزام المبكر بمتطلبات بازل3 ، وقد قامت المصارف المركزية العربية بجهود جيدة لتسهيل إلتزام المؤسسات العربية بموجبات هذا القانون بكل دقة تلافيا لمخاطر عدم الالتزام ، وإن رفع السرية المصرفية يتناول فقط حسابات حاملي الجنسية الأميركية أو المقيمين في أميركا ، وإن أمريكا تستهدف بهذا القانون المتهربين من الضرائب من مواطنيها، وبالتالي فإن تعاطي المصارف مع هذه الفئة من المؤسسات أو الأفراد الأميركيين سيقوم على قاعدة قبولهم بالسماح للمصارف بالإفصاح عن حركة حساباتهم بناءً لطلب سلطات بلادهم ، أو إقفال الحساب لدى المصرف المعني ، مع الإشارة إلى أن قانون (FATCA) يفرض غرامة على المؤسسات المالية غير المتقيدة بأحكامه تبلغ ( 30% ) من قيمة أي عملية مالية دولية تمر من خلال النظام المصرفي الأميركي .
والواقع فإن الجرائم المالية عابرة للحدود ولديها وحدة في الهدف والأداة ، وهي غسل الأموال وإعادة إدخالها ضمن النظام المالي العالمي كأموال شرعية،وكذلك توفير الأموال لارتكاب المزيد من الجرائم وإخفاء مصادر التمويل باستغلال الاختلاف والتباين بين الدول للأنظمة المصرفية والمالية ، وعلى الرغم من كل إجراءات المكافحة وعلى جميع المستويات ، لا يزال غسل الأموال وتمويل الإرهاب يشكلان قلقا للسلطات الدولية والإقليمية والوطنية نظرا لكونهما أصبحا خطرا كبيرا على أمن المواطن والدولة على حدّ سواء ويعرضان سلامة المجتمع للخطر ، وإذا كانت مافيات الجريمة المنظمة تسعى إلى استخدام آخر ما توصلت إليه تقنية المعلومات والاتصالات في وسائل الدفع والخدمات المصرفية لابتكار وتطوير طرق قادرة على اختراق القنوات المصرفية لتمرير عملياتها ، فإنه يتوجب على المصارف العربية ضمان الشفافية المالية والامتثال للقواعد والمبادئ الدولية، والعمل دائما وباستمرار إلى خلق معايير جديدة ، وابتكار أساليب لمكافحة الجرائم المالية ، والعمل على إدارة المخاطر الناجمة عنها بما يجنبها الوقوع في هذا الفخ ، هذا فضلا عن التطوير المتواصل للإجراءات القانونية والاحترازية على مستوى الدول .
ومما ورد أعلاه نستشف صفوة القول بأن هذا القانون أحدث إرباكاً لجميع المؤسسات المالية والمصرفية في العالم ، لأنه أعتلى القوانين المصرفية وكسر قفل السرية المصرفية للحسابات بالقوة ، فإما ان تخضع المؤسسات المالية والمصرفية للفاتيكا، أو تتعرض للعقوبات المالية بموجب القانون ، ومنع المصارف الأمريكية من التعامل معها ، وإن استجابة المصارف العربية لتطبيق القانون الأميركي ، الخاص بالالتزام بالضرائب الأميركية على حسابات الأميركيين، أمر لا يمكن تفاديه ، حتى ولو كان البعض يعتقد بتفادي هذا القانون عن طريق عدم التعامل بالعملة الأميركية، حيث إن هذا الإجراء لن يجدي نفعا لأن هذا القانون سيطبق على مستوى مختلف العملات في المؤسسات المالية المعنية في كافة دول العالم ، إذ يتضمن القانون قواعد كثيرة ومواعيد تطبيق تدريجية يقتضي الإحاطة بكل تفاصيلها تجنبا للعقوبات ، وسوف يكون الأشخاص والمؤسسات بين خيارين أما الخضوع للفاتيكا أو التخلي عن الجنسية الأمريكية ، ووفقا للمبادئ الصادرة عن لجنة بازل ، ينبغي على جميع المصارف أن يكون لديها سياسات كافية ، وقواعد احترازية صارمة حول العملاء لتعزيز المعايير الأخلاقية والمهنية في القطاع المصرفي ومنع أي مصرف من أن يُستخدم في أي أنشطة مشبوهة.
الفاتكا ، السرية المصرفية ، غسيل الاموال
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع