موسوعة رشيد الجزء الأول التاريخ والاستحكامات الحربية (1)
أ. د. محمود أحمد درويش | Mahmoud Ahmed Darwish
20/10/2020 القراءات: 3391
كانت مدينة رشيد من المدن ذات الصفة الحربية منذ العصر الفرعوني وحتى عصر محمد على، باستثناء العصر العثماني الذي كانت فيه المدينة ذات صفة تجارية، كما كان موقع المدينة على نهر النيل وتحكمها في المدخل الغربي له أثر في زيادة الاهتمام بتحصينها. فقد اهتم الحكام منذ عصر الملك منفتاح في الأسرة التاسعة عشر من العصر الفرعوني وحتى عصر محمد على بإنشاء الاستحكامات الحربية التي أنشئت بغرض الدفاع.
تشمل الاستحكامات الحربية الحصون والقلاع والطوابي، أما الحصون فهي من أكبر الاستحكامات الحربية وتحيط بمساحات من الأرض لتحميها وتحصنها ضد أي اعتداء من داخل البلاد أو من خارجها، وتختلف عن الأسوار العادية حيث تحتوى على مبان خاصة لحماية والتحصين والمراقبة كالأبراج والسقاطات والمزاغل، وقد يشتمل الحصن على قلعة أو أكثر.
والقلاع هي استحكامات حربية تبنى في المناطق الإستراتيجية كالجبال أو على سواحل البحار ومهمتها قاصرة على المراقبة والدفاع ضد أي اعتداء خارجي، وتتكون من مجموعة من الأبراج والمراقب، كما أن ساكنيها من العسكر والجند فقط، وتوجد بالحصون والقلاع أبراج مربعة أو مستديرة تبرز عن الجدران والأسوار، وأقيمت أبراج المراقبة الكبيرة الحجم التي تتسع لإقامة حامية كبيرة. وتخلف من هذه الاستحكامات التي تشتمل على الحصون والقلاع والطوابي عدد كبير يتمثل في قلعة قايتباي وأحد أبواب المدينة، وكذا قلاع محمد على الواقعة على ساحل البحر المتوسط.
شهدت الأدلة المادية أن العمران بمدينة رشيد ارتبط بالظروف الحربية، فقد تركز الاهتمام بإنشاء الاستحكامات الحربية في العصر المملوكي وعصر محمد على، وذلك فيما عدا التوسعات التي حكمتها الظروف الاقتصادية، ونجد عكس ذلك في العصر العثماني الذي توسعت فيه المدينة نحو الشمال والغرب والجنوب، وأعيد بناء المدينة القديمة.
وكان هذا العصر من العصور التي لم تشهد إنشاء استحكامات حربية جديدة، بل تحولت الاستحكامات القديمة إلى مبان تذكارية أو كانت تقيم بها حاميات ليست لها قوة حربية، وانتشرت العمائر حول هذه الاستحكامات مما يدل على انتفاء وظائفها الحربية.
في النصف الثاني من عام (1984) كلفني الدكتور أحمد قدري - رحمة الله عليه - بالتحضير لمشروع ترميم آثار مدينة رشيد، ولما كانت قلعة قايتباي إحدى أهم الاستحكامات الحربية المصرية وواحدة من القلاع التي تنسب إلى السلطان المملوكي الأشرف قايتباي، فقد بدأت الدراسات حولها لإعداد مشروع متكامل لترميمها، حيث كان حال القلعة أسوأ ما يكون بعد أن هدمت جدرانها وأبراجها.
وبدأت الدراسات بجمع المعلومات المتناثرة بالمصادر وكتب الرحالة والمراجع والمادة المحفوظة بقطاع الآثار الإسلامية والقبطية، والخرائط والمخططات والتي اتضح أنها جميعا لا تتفق على شكل واحد للقلعة حيث تم رسم المخطط استنادا على الأجزاء الظاهرة دون مطابقة واقعية.
قبل عام (1985) لم تكن معالم القلعة واضحة بما يكفى لدراسة عناصرها المعمارية، وكان المؤلف مديرا لمنطقة آثار رشيد ورئيسا لبعثة قطاع الآثار الإسلامية والقبطية، وأشرف على أعمال الحفر والترميم للقلعة، وإعادة تأهيلها لتكون مزارا سياحيا، ضمن فعاليات المشروع القومي لترميم آثار مدينة رشيد.
وقد استند المؤلف على كتابات الرحالة الأجانب، والمصادر والمراجع، والمخططات المحفوظة بالمجلس الأعلى للآثار، والدراسة التاريخية لمدينة رشيد واستحكاماتها الحربية. فبالنسبة للمصادر والمراجع: اعتمدت الدراسة التمهيدية لمشروع الحفائر على كتابات الرحالة الأجانب، والمصادر والمراجع، والمخططات المحفوظة بالمجلس الأعلى للآثار، والدراسة التاريخية لمدينة رشيد ووالدراسة الوصفية لاستحكاماتها الحربية فضلا على الدراسة التحليلية والمقارنة.
وتعد كتابات الرحالة الأجانب الذين قاموا بزيارة القلعة من أهم المصادر ومنهم بيري رايس (Peri Réis) عام (1521م) وسيزار لامبرث (Sezar lamberth) عام (1627م) وفانزليب (Vansleb) عام (1672-1673م) وبول لوكاس (paol Lucas) عام (1699م) وفان إيجمونت وهيمان (Van Egmont et Heyman) ونوردن (Norden) عام (1795) وريتشارد بوكوك (Pocke) عام (1737م) وسافاري (SavaryI عام (1777م) وسونيني (Sonnini) ولا لارم (La Larme) ووفيفان دينو (Vevan Denon) عام (1798م) وجولوا (Jollios) عام (1798).
فقد ذكر بيري رايس أنه اكتشف على بعد عشرة أميال من رأس مدينة رشيد برجا مشابها لقلع منتصب في مدخل فرع النيل من الجنوب وبرج آخر أمام المدخل على بعد ثلاثة أميال من المدينة". وذكر سيزار لامبرث أنه يوجد في رشيد قلعتين متقابلتين في الميناء يحميهما مائة وخمسون جنديا، والبناء الأصلي في تصميمه يشبه بدرجة كبيرة الحصن الداخلي في قلعة قايتباي بالإسكندرية.
وذكر فانزليب أنه كان يوجد بها جب (البرج الداخلي) يرتفع حوالي (12) قدما فوق ارتفاع السور الخارجي وأبراج الأركان، وكان هذا البرج الذي يتوسط البناء (الملجأ الأخير لرجال القلعة) يحتوى على المخازن المقباة.
وذكر بول لوكاس أنه يوجد حصنان كبيران، وذكر فان إيجمونت وهيمان أن الأبراج كثيرة الزوايا قطر كل منها (20) قدما، وبأجزائها العليا فتحات للمدافع وعددها (15) مدفعا لا يصلح أغلبها للعمل، ووضع نوردن صورة تظهر بها المئذنة، ويتبين ارتفاع البرج الداخلي المزود بفتحات تهوية تشبه المزاغل وعليه شرافات دائرية.
وذكر ريتشارد بوكوك أنها عبارة عن بناء له أبراج مستديرة، وبناؤها من الطوب والحجارة، ورجح أنها من مخلفات الصليبيين وأن ما عمله قايتباي ليس إلا مجرد إصلاح، وذكر سافاري أنها مربعة بها أربعة أبراج مركبة فيها المدافع.
كما زارها سونينى في نفس العام وذكر أن مبانيها كانت مهدمة وآلت للخراب، ويكرر لا لارم ذلك أيضا. وذكر فيفان دينو عام (1798م) أنها حصن كبير مربع مقام على زواياه أربعة أبراج ضخمة، وذكر أن الطابق الأرضي كان به مخازن مملوءة بالأسلحة كالقسي والسهام والسيوف.
رشيد - الاستحكامات الحربية - الحملة البريطانية - العصر المملوكي - عصر محمد علي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة