مظاهر حماية الحق في بيئة سليمة في إطار الشريعة الإسلامية
زهراء رياض علي الطائي | Zahraa Riyadh Ali Altaee
02/06/2020 القراءات: 4911
مما يزيدنا فخراً وتشريفاً نحن معاشر المسلمين إدراكنا أن الشريعة الإسلامية لها السبق في التأكيد على توفير البيئة النظيفة للإنسان والتأكيد على النظافة والطهارة ، إذ ربط الدين الإسلامي صحة العبادات المفروضة على الإنسان بشرط طهارته المادية والمعنوية ونظافة مكانه وما يحيط به .
إن ما تدعي به الدول الغربية من السبق في النص على حقوق الإنسان وإعطاء البشرية حقوقاً وحريات لم تكن لتتمتع بها لولاهم ، لهو كلاماً مغلوطاً إذا ما علموا أن شمس الإسلام بزغت على الدنيا في العصور الوسطى التي يسميها الغرب العصور المظلمة ، وأن اهتمام الغرب بالبيئة تحديداً لم يظهر بشكل مباشر إلا منتصف القرن الماضي .
إن عظمة أحكام الإسلام ناتجة من كونها صالحة لكل زمان ومكان لأن الذي وضعها هو الله سبحانه وتعالى الذي خلق الأرض وما عليها ويعلم أمرها وتدبيرها وهو أعلم بشؤون عباده وحاجاتهم .
فالله سبحانه سخر لنا الكون وأبدعه بكل ما فيه لخدمة الإنسان من خلال السعي في الأرض والبحث عن كنوزها والحفاظ على ثرواتها واستغلالها . وعندما يأتي الإنسان ولا يخدم ما سخره الله له ويسيء التعامل مع بيئته فيظهر الفساد في البر والبحريعتبر أثم استناداً لقوله تعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } .
إن تعدي الإنسان على بيئته وإفسادها أمر حرمهُ الإسلام وبعدة نصوص منها ، قوله تعالى { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا } وقال سبحانه { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ }
والإنسان مطالب بالعمل على إظهار عظمة الخالق عن طريق الانتفاع الإيجابي بكل المسخرات قال تعالى { هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } ،أي جعلكم عُماراً تعمرونها وتسكنون بها ، وهذا لا يتأتى بحكم الإسلام إلا بأمرين أولهما : أن تبقي الصالح على صلاحه ولا تفسدهُ ، والثاني : أن تُصلح ما يفسد وتزيد إصلاحه.
والأمثلة على اهتمام الشريعة الإسلامية بعناصر البيئة الطبيعية من الكتاب والسنة النبوية كثيرة لا تحصى ، فقد وردت العديد من الآيات القرآنية التي تبين عظمة الماء وأهميتهُ في حياة الإنسان ، إذ قال تعالى { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } ، وقال تعالى { أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ * } .وأن نزول الماء من السماء يكون بقدر بحيث يحدث توازن لا يضر بالكائنات الحية فلو زاد لغرقت الأرض ، ولو قل نزوله لماتت الأرض ومن عليها من أحياء . إذ قال سبحانه وتعالى { وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ } .
وفي السنة النبوية جاء في عدم احتكار الماء وجعله مشاعاً بين الناس ، حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) [المسلمون شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار] . كما نهى الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن تلويث الماء أو إهداره إذ جاء في الحديث الذي رواهُ ابن ماجه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) مرَ بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال له : لا تسرف ، فقال : أو في الماء إسراف ؟ قال : نعم وإن كنت على نهر جار) .
ومما يذكر في مدى تقدم الحضارة الإسلامية في الاهتمام بالموارد المائية أنه في بلاد الأندلس أنشأ المسلمون محاكم للري تنعقد بالجامع ، وقد أشار أحد قضاة محكمة المياه في إسبانيا أن أصل هذه المحكمة التي لا تزال تمارس حتى وقتنا الحاضر إنما هي ميراث أخذناهُ عن المسلمين منذ أيام خلفاء قرطبة إذ كانت تنعقد كل يوم خميس عند الظهر في الجامع الكبير، وقد كان هذا شأنها منذ سقوط بلنسيا العظمى في أيدي النصارى عام 1238م.
كما حث الإسلام على الزراعة والغرس لما له من أثر من تنقية الهواء الجوي فضلاً عن المصالح التحسينية من جمال الطبيعة ونظافتها ، كما أنه مصدر غذاء للإنسان ، قال تعالى {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}
وقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) حثاً منه على الزراعة [ما من مسلم يغرس غرساً فيأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له صدقة]
كما أكد الرسول (صلى الله عليه وسلم) على استصلاح الأرض البوار الميتة وزراعتها واستثمارها لما في ذلك من تحقيق منفعة للناس وحماية الموارد الطبيعية وإصلاحها، فقال (صلى الله عليه وسلم) في ذلك [من أحيا أرضاً ميتة فهي له] . ففي هذا الحديث تشجيع للمسلمين على إصلاح الأرض وإعمارها والاستفادة من ثروات الطبيعة ، وقال (صلى الله عليه وسلم) [إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها] .
وهذه الأحاديث كلها تؤكد مدى اهتمام الإسلام بالبيئة الطبيعية ومواردها .
كما أكد الدين الإسلامي على نظافة الأرض وعدم إفسادها ورفع الأذى الذي يسبب تلوثها ، قال تعالى {وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}، وقال {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا}
وقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) [الإيمان بضع وستون – أو سبعون – شعبة ، أدناها إماطة الأذى عن الطريق ، وأرفعها قول لا إله إلا الله ، والحياء شعبة من شعب الإيمان] .
إن هذه الحماية الإسلامية للبيئة من حولنا تشمل جميع أشكال التلوث التي تتطور مع تطور الزمان والمكان ، فكل نشاط يقوم به الإنسان يؤدي إلى ضرر فهو محرم لقوله صلى الله عليه وسلم [لا ضرر ولا ضرار] .
البيئة - حماية البيئة في الإسلام
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع