صفح المجنى عليه وسلطة المحكمة في قبوله أو رفضه
د. احمد جابر صالح | Dr. Ahmed Jaber Saleh
03/06/2023 القراءات: 974
صفح المجنى عليه وسلطة المحكمة في قبوله أو رفضه
في ضوء قرار الهيئة التمييزية في محكمة استئناف كربلاء الاتحادية المرقم (856/ت/جزائية/صفح/2021) في 6/11/2021
أعطى المشرع العراقي، بموجب المادة (338) الأصولية، للمحكمة التي أصدرت الحكم أو المحكمة التي حلت محلها أن تقرر قبول الصفح عمن صدر عليه حكم بعقوبة أصلية مقيدة للحرية في جريمة يجوز الصلح عنها، سواءً اكتسب الحكم الصادر فيها درجة البتات أو لم يكتسبها.
وقد حددت المادة (195) الأصولية الجرائم التي يجوز الصلح فيها، فإذا كانت الجريمة معاقباً عليها بالحبس مدة سنة فأقل أو بالغرامة فيقبل الصلح دون موافقة القاضي أو المحكمة. أما إذا كانت الجريمة معاقباً عليها بالحبس مدة تزيد على سنة فلا يقبل الصلح إلا بموافقة القاضي أو المحكمة، باستثناء جرائم (التهديد والايذاء واتلاف الأموال أو تخريبها) إذ يقبل الصلح فيها بموافقة القاضي أو المحكمة في ولو كان معاقباً عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنة.
أما بالنسبة لإجراءات طلب الصفح عن المحكوم عليه، فقد نصت عليه المادة (339) الأصولية والتي اشترطت أن يقدم طلب الصفح إلى المحكمة من المجني عليه أو من يقوم مقامه قانوناً، فإذا كان المجني عليهم متعددين فلا يقبل الطلب إلا إذا قدم منهم جميعاً. وإذا كان المحكوم عليهم متعددين فلا يسرى طلب الصفح عن بعضهم إلى الآخرين. هذا ولا يجوز الرجوع عن طلب الصفح ولا يُقبل إذا كان مقترناً بشرط أو معلقاً على شرط.
وتقبل المحكمة الصفح إذا كانت الجريمة مما يجوز الصلح عنها دون موافقة المحكمة ولها أن تقبله في الأحوال الأخرى. وبهذا، فان المشرع قد منح المحكمة سلطة تقديرية في قبول طلب الصفح أو رفضه دون أن يبين الضوابط التي تُحدد هذه السلطة أو صلاحية المحكمة في تقديرها.
تجدر الإشارة إلى أن المحكمة، وعند قبولها الصفح، تقرر إلغاء ما بقي من العقوبات الأصلية وكذلك العقوبات الفرعية عدا المصادرة وتقرر إخلاء سبيل المحكوم عليه حالاً. كما أن المشرع أوجب على المحكمة أن ترسل أوراق الدعوى خلال عشرة أيام من إصدارها القرار فيها إلى محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية للنظر تمييزاً في القرار ولهذه المحكمة في هذه الحال السلطة تصديق القرار أو نقضه أو أن تفصل هي في الموضوع ويكون قرارها باتاً.
وبالعودة إلى سلطة المحكمة في قبول طلب الصفح أو رفضه بالنسبة للجرائم التي تزيد عقوبتها على السنة أو جرائم التهديد والإيذاء واتلاف الأموال أو تخريبها، فأن السؤال الذي يُطرح بهذا الصدد يدور حول محددات هذه السلطة، فهل تتحدد سلطة المحكمة في تقدير صحة وقوع الصفح من المجنى عليه دون ضغط أو إكراه على إرادة المجنى عليه، أم يتعدى ذلك إلى موائمة الصفح عن الجاني مع خطورته الإجرامية وجسامة الجريمة التي ارتكبها؟
هذا السؤال أجابت عنه الهيئة التمييزية في محكمة استئناف كربلاء الاتحادية بقرارها ذي العدد (856/ت/جزائية/صفح/2021) والصادر بتاريخ 6/11/2021 والذي ذهبت فيه إلى أن (الجريمة التي حُكم عنها المدان المطلوب الصفح عنه رغم انها من جرائم المادة (3) الأصولية وهي من الجرائم التي تقبل الصلح عنها، ومن ثم يُقبل الصفح فيها، إلا أن قبول الصفح هو أمر جوازي للمحكمة في جرائم التهديد استناداً لأحكام المواد (195/ج و 339/د) الأصولية، وأن المحكمة تقرر ذلك وفقاً لظروف كل جريمة، وحيث أن المطلوب الصفح عنه قام بتهديد المشتكية مبتزاً إياها بأمور تخدش شرفها مستغلاً احتفاظه بصور لها عندما كان على علاقة غرامية بها، وفشل مشروع زواجهما بعد أن رفض والدهما خطبة المدان لأبنته (طالبة الصفح)، وأن فعل المحكوم هذا أدى إلى أن تترك طالبة الصفح وظيفتها خشية الفضيحة بعد أن قام بإرسال تلك الصور إلى أفراد عائلتها وأقربائها وزملائها في العمل بكل دناءة وضعة، لذا يكون غير جدير بقبول الصفح عنه وإلغاء ما بقي من عقوبة، وترى هذه الهيأة بأن محكمة جنح الحسينية لم تكن على صواب عند إصدار قرارها بقبول الصفح ... عليه قررت المحكمة نقض القرار وإعادة الدعوى إلى محكمتها بغية إصدار القرار برفض قبول طلب الصفح المتقدم واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لإكمال تنفيذ العقوبة المفروضة بحقه).
ان هذا القرار التمييزي قد رسم الحدود التي تمارس ضمنها المحكمة سلطتها التقديرية بقبول أو رفض طلب الصفح، وكشف عن الغاية التي نشدها المشرع من وراء منح هذه السلطة التقديرية للمحكمة، تلك الغاية التي يجب على المحكمة أن تتغياها عند قبول طلب الصفح أو رفضه دون أن تقف عند حد التأكد من سلامة إرادة المجنى عليه "طالب الصفح" وصحة التعبير عنها عند تقديمه لطلب الصفح.
الدكتور: أحمد جابر صالح
صفح، المحكمة، المجنى عليه، سلطة، تقدير.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع