مدونة نوفل علي عبدالله الصفو


الحماية الجنائية للحقوق والحريات

الدكتور نوفل علي عبدالله الصفو | nawfal ali alsafo


26/06/2020 القراءات: 5592  


الحماية الجنائية للحقوق والحريات
حقوق الانسان قيمة انسانية رفيعة بمقتضاها يتمتع كل كائن انساني بحقوق طبيعية تنبع من انسانيته اي تنبثق من كرامته الانسانية. اذ ان أي قيد يوضع على حرية شخص يعتبر عملاً غير مشروع، ما لم يبرره سبب قانوني. ويُعد هذا الحكم واحدًا من المبادئ الأساسية في القانون العام. ولكن، يعترف القانون ببعض القيود المفروضة على الحرية. والعلاقة بين القانون والحرية وثيقة جدا، ذلك أن من الممكن استخدام القانون كأداة للطغيان كما حدث في العديد من اﻟﻤﺠتمعات والعهود، أو كأداة لتحقيق تلك الحريات الأساسية التي تعتبر في اﻟﻤﺠتمع.
ولحماية حقوق الانسان مصادرها، ومن اهمها المصدر الديني والمصدر الدولي والمصدر الوطني. وتقسم حقوق الانسان الى عدة تقسيمات اهمها تقسيمها الى حقوق سياسية ومدنية واجتماعية واقتصادية وثقافية، وقسمها البعض الى حقوق الانسان التي له بوصفه انسانا (بسبب انسانيته) واغلب الحقوق المدنية والسياسية من هذا النوع (وهي في الشريعة الاسلامية تتمثل بالضرورات الخمس وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال)، وحقوق الانسان باعتباره عضوا في المجتمع، واغلب الحقوق الثقافية والاقتصادية والاجتماعية من هذا النوع (وهي في الشريعة الاسلامية تتمثل بالحاجيات والتحسينات). وان كافة الحقوق التي تتمتع بالحماية الدستورية تعتبر حقوقا اساسية من الناحية الدستورية، وتعتبر جميع الحريات العامة من الحقوق الاساسية، في حين لا تعد بالضرورة كل الحقوق الاساسية من الحريات العامة.
وان الدولة القانونية بحكم وظيفتها عليها ان تحمي جميع المصالح القانونية وهي ليست قاصرة على الدولة وحدها بل انها تشمل ايضا حقوق الفرد وحرياته ولايجوز اهدارها بدعوى المحافظة على مصلحة المجتمع بل يتعين التوفيق بين المصلحتين في إطار العلاقات الاجتماعية التي تحكم المجتمع، فالتشريع الجنائي يتحمل مسؤولية تحقيق التوازن الذي يوقف الصراع بين مختلف الحقوق والحريات من جهة وبينها وبين المصلحة العامة من جهة أخرى ويكفل حماية كل من الحقوق والحريات والمصلحة العامة بقدر متناسب.
والحماية الجنائية هي احد انواع الحماية القانونية، بل واهمها قاطبة واخطرها اثرا على كيان الانسان وحرياته ووسيلتها القانون الجنائي الذي قد تنفرد قواعده ونصوصه تارة بتحقيق هذه الحماية وقد يشترك معها في ذلك فرع اخر من فروع القانون تارة اخرى، اذ يهدف القانون الجنائي بفرعيه إلى إحداث التوازن بين حماية المصلحة العامة التي تمس كيان الدولة أو المجتمع، وبين حماية الحقوق والحريات والمصالح الخاصة بالأفراد، ويتميز هذا القانون بأن قواعده تتسم بقوة التأثير على السلوك الاجتماعي، ويبدو ذلك واضحا في قانون العقوبات الذي يفرض أنماطا من السلوك ويرتب عقوبات على مخالفتها، كما يتجلى هذا المعنى أيضا في قانون الإجراءات الجنائية بما ينظمه من قواعد إجرائية تمس حقوق وحريات المواطنين في سبيل كشف الحقيقة وإقرار حق الدولة في العقاب، ومن خلال التوازن الذي يقيمه القانون الجنائي بفرعيه بين المصلحة العامة والحقوق والحريات، فإن المشرع الجنائي لا يتوانى عن حماية هذه الحقوق والحريات بثلاثة أساليب: -
الأول: -الحماية الجنائية للحقوق والحريات، من خلال تجريم أفعال المساس بها والمعاقبة عليها، مثل المساس بالحق في الحياة، أو الحق في سلامة الجسم، أو الحق في الحرية الشخصية والخصوية، أو الحق في الثقة والاعتبار، وتنطوي هذه الحماية الجنائية في ذات الوقت على حماية النظام العام الذي يتأذى من المساس به، ومن المساس بالحقوق والحريات.
الثاني: -أن تتم الحماية الجنائية للحقوق والحريات من خلال التوازن فيما بينها من ناحية، وبين المصلحة العامة من ناحية اخرى، فلا يجوز أن تكون حماية المصلحة العامة أو حماية حقوق الغير وسيلة للعصف بالحقوق والحريات، مثل حرية التعبير، وحق نشر الاخبار، وحرية البحث العلمي، وحق النقد، وحق مخاطبة السلطات العامة، وحق الدفاع، فالتوازن بين الحقوق والحريات المحمية يحدد سلطة المشرع الجنائي في التجريم والعقاب، مثال ذلك ان تجريم المساس بالحق في الثقة والاعتبار لا يجوز أن يمس حرية التعبير، كما أن تجريم المساس بالحق في سلامة الجسم لا يجوز أن يمس الحق في العلاج، وتجريم المساس بالحق في الحياة لا يجوز أن يتم بالتضحية بالحق في حياة شخص آخر أولى بالاعتبار (مما يخوله القانون حق الدفاع الشرعي)، وكذلك الشأن في التوازن بين العقوبة وجسامة الجريمة، كما تكون هذه الحماية في إطار التوازن مع المصلحة العامة المتمثلة في النظام العام بجميع جوانبه حين تطلب تنظيم ممارسة هذه الحقوق والحريات داخل حدود معينة مراعاة للصالح العام وتجريم الخروج عن هذه الحدود، وهو ما يمثل الضرورة الاجتماعية التي تتطلب التجريم والعقاب وبالقدر المتناسب مع الفعل الصادر الذي يتطلب.
الثالث: -ضمان التمتع ببعض الحقوق والحريات، كقيد على الإجراءات الجنائية التي تتخذ لاقتضاء حق الدولة في العقاب تحقيقا للمصلحة العامة، فإذا تطلب الأمر من سلطة التحقيق القبض على المتهم أو تفتيشه، فلا يجوز أن يتم ذلك بالتضحية على نحو مطلق بحقه في الحرية، أو حقه في سلامة المسكن، كما أن محاكمة المتهم لا يجوز ان تحرمه من حقوق الدفاع، ومن التمتع بحقوقه الاخرى متوازنة مع سلطة الاتهام، وفي هذا الصدد فإن الصراع دائم بين مقتضيات المصلحة العامة ومتطلبات تمتع الفرد بحقوقه وحرياته.





حماية، جنائي، حقوق، حريات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع