فكرة الأخلاق القائمة على الواجب
ا.د طارق هاشم الدليمي | Proof.Dr Tariq hashim khamees
18/04/2020 القراءات: 4392 الملف المرفق
فكرة الأخلاق القائمة على الواجب من "كانط"الى الفكر المعاصر..ا.د طارق هاشم الدليمي ١٦/٤/٢٠٢٠ اردت ان اتساءل في هذا المقام ؛" الى اي مدى امكان قيام مشروع اخلاقي قائم على المثالية ؟ " قد يطول الكلام في محاولتنا الإجابة عن مثل هذا التساؤل ، لكن مما لا شك فيه ان أي فعل اخلاقي ( خالص ) فيه من الصعوبة الشيء الكثير ، لذلك نجد ان القليل من الناس من يقدم على تحقيق فعل اخلاقي بالمواصفات التي ذكرتها آنفا " اي ان يكون فعلا اخلاقيا خالصا " .. فالفعل الأخلاقي مواجهة ومجاهدة مستمرة ضد طبيعتنا ، تلك الطبيعة المليئة بالرغبات التي تنتصر في نهاية اي صراع لنا مع تلك الطبيعة ، كما ان السعي للقيام بفعل اخلاقي هو محاولة للوصول الى "الخير المطلق" المتربع في اعماق انفسنا ، ذلك الخير الذي قيدته اهواءنا وحاصرته نوازعنا بل قد تم تحييده عن طريقه الطبيعي .. لذلك فإن القاعدة الأساسية للقيام بأي فعل اخلاقي تقول بأن علينا ان نسير وفقاً لإرادتنا ومعتمدين على محكات عقلية تكون بمثابة النور الذي نتوجس بوساطته طريقنا ، وينبغي علينا تحكيمه والانصياع له ومقاومة الغرائز التي تعارض قيامنا بالفعل الاخلاقي ، اذ قيل في ذلك وعلى لسان "إمانويل كانط "1724- 1804م" لا يقدر على الفعل الاخلاقي الا من كان قديسا " وبما اننا استشهدنا بمقولة كانط عن وصف صعوبة القيام بفعل اخلاقي ، فأرى ان لا نبتعد كثيرا ونكتفي باستعراض موقف هذا الحكيم الالماني الشهير فهو يؤكد على انه طالما كان النّاس يشتركون بالعيش في هذا العالم، ولمّا كانوا يشتركون – أيضًا – في القوانين الّتي تحكم أذهانهم؛ فـإنّنا نحاول ان نبني اخلاقنا على أساسٍ يقينيّ مطلق، ينطبق على جميع النّاس .. ولكن كيف برر كانط ذلك ؟ اكتشف كانط ما اسماه بالمبدأ ( القبلي ) (A priori) وهذا المبدا من سماته انه مبدأ مستقل عن الخبرة الإنسانيّة ، مهمته ضبط الإرادة الإنسانية وقد اسماه ( العقل العمليّ). وهو مبدأ بإمكانه ( حسب رأي كانط ) تنظيم السّلوك البشريّ، قد يأتي على شكل امر ملزم مطلق ( Categorical imperative) ، وعلينا كبشر متعقلين أن نعيش ونتصرّف وَفق هذا الواجب المطبوع في أذهاننا .. وبذلك وبغية تحقيق نوع من ( الإتساق ) مع النفس ، ينبغي الإجابة على تساؤل ؛ ما هو السبيل الذي يجب ان نتبعه ( بصرف النظر عما نفعله في الواقع ) ؟ بمعنى اخر ، هل يجب علينا ان نستخدم ( فضائلنا ) بطريقة خبيثة ؟ ام ان الاخلاق الحسنة يجب ان تتضمن ما نسميه ( الإرادة الخيرة ) ؟ تلك الإرادة التي تتصرف منطلقة من (احترام الواجب ) بغضّ النّظر عن نتائج التزامها به وذلك لأنها خيرة في ( ذاتها ) !! ونفصل انفسنا بعيدا عن ( النفعية ) في الأخلاق ، فتكون الإرادة الخيرة هي العامل الحاسم في افعالنا الاخلاقية وليس نتائج تلك الأفعال . ونأتي ختاما الى فكرة الواجب الأخلاقي المطلق التي اسس لها " كانط " فلها وضعيّة الأمر المطلق، وقدم لها أسُسًا متعدّدة لهذا الأمر ومنها ان عليك ان لا تفعل أو تتصرّف، إلاّ بما يتّفق مع المبدأ الّذي تريد أن يصبح قانونًـا عامًّـا للطّبيعة، والّذي بناءً عليه، يُمكن أن يسلكه كلّ الاخرين ، اي ينبغي عليك ان تعمل حَسب القاعدة السّلوكيّـة وحدها، الّتي تريدها انت في الوقت ذاته، أن تصير قانونـًا كليًّـا، يُمكن لأيّ شخصٍ آخر أن يسلك طبقًـا لها ، ولتوضيح فكرة الواجب عند امانويل كانط نقدم المثال الشهير الذي قدمه لإيضاح ذلك : افرض مثلًا، أنّ شخصًا ما أراد أن ينتحر، وانتحر بالفعل، سيكون – في هذه الحال – فعله خاطئًا تمامًـا؛ لأنّه لا يرغب أبدًا، أن يكون هذا الفعل قانونًـا عامًّـا، يسلك النّاس طبقًا له، فيُقدمون جميعًا على الانتحار. ومن جهةٍ أخرى، فإنّه لو صار هذا القانون كلّيًّـا بالفعل، فإنّه سيناقض نفسه من النّاحية الصّوريّة، وربّما العمليّة أيضًا؛ لأنّه لو حدث ذلك بالفعل، وأقدم الجميع على الانتحار، فإنّه – في هذه الحال – لن يبقى أيّ أحدٍ آخر لينتحر، وهكذا، لا يمكن للانتحار أن يصير قانونًـا كلّيًّـا.
اخلاق ، فكرة الواجب ، امانويل ، كانط
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع