مدونة الاستاذ الدكتور مقتدر حمدان عبد المجيد


حياة العلامة التهانوي وطلبه للعلم

الاستاذ الدكتور مقتدر حمدان عبد المجيد الكبيسي | Prof. Dr. Muqtadir Hamdan Abdul Majeed


23/05/2020 القراءات: 3678  


لم تمدنا المصادر والمراجع المتوفرة التي ترجمت بشكل مختصر للعلامة التهانوي ، ولو بشيء يسير عن مولده ! . ولكن نستطيع أن نرجح أنه ولد في أواخر القرن الحادي عشر الهجري ، لأن جميع من ترجم له أجمعوا على إنه من علماء القرن الثاني عشر الهجري . ولد العلامة التهانوي في أسرة علم ودين ، إذ نشأ نشأة حسنة ورُبي تربية صالحة ، وطلب العلم في أحضان أسرته ، ومحيط قومه وأرجاء بلدته وما جاورها حتى حاز فنونا وسلك سبيل الطلبة المجتهدين .
عاش العلامة التهانوي في القرن الثاني عشر الهجري ، وكانت السلطة السياسية في ذلك العصر في كثير من البلاد الإسلامية تابعة للدولة العثمانية في العاصمة استانبول ، فالسلطان كان هو الحاكم الأول ، وله نواب وحكام يحكمون البلاد بتعيين منه ، وتبعية له .
ومع ذلك ، فقد أدرك العلامة التهانوي عصر أورنك زيب (أي زينة المُلك) الملقب بـ عالمكير (أي جامع زمام العالم) (1069_1118ه/1658_1707م) ، وهو أحد أبرز وأشهر سلاطين المغول خلال هذه الحقبة . وقد أشار مؤرخو الحركة العلمية في عصره إلى اهتمام هذا السلطان الكبير بالعلوم سواء أكانت عقلية أم نقلية ، وأبدى اهتماماً خاصاً بالفتاوى ، وطلب من كبار علماء سلطنته أن يؤلفوا في ذلك كتابا ، وبالفعل صنفوا له كتاب ( الفتاوى الهندية ) ، ولأنه هو من أمر بتأليف الكتاب أخذ الكتاب اسمه من اسم هذا السلطان فأصبحت هذه الفتاوى تعرف بـ (فتاوى عالمكير) .
وكما ساد الغموض تاريخ ولادة التهانوي ، فالأمر نفسه بالنسبة إلى تحديد تاريخ وفاته ، إذ أغفلت المصادر ذكر أو تحديد هذا التاريخ ، وربما أن تاريخ الوفاة كان حوله غموض لسبب أو آخر . ولكن توجد إشارة في كتابه (كشاف اصطلاحات الفنون) إلى إنه أنتهى تأليف كتابه في سنة 1158ه .
طلبه للعلم :
مال التهانوي إلى طلب العلم منذ نعومة أظفاره وقرأ القران الكريم واللغة العربية ودرس الأدب على يد والده وتفقه عليه .
سبق أن قلنا أن المصادر لم تمدنا بمعلومات كافية عن حياة العلامة التهانوي ، وهذا أدى إلى ندرة معلوماتنا عن بداية طلبه للعلم ، ونكاد لا نجد إلا ما ذكره الحسني في هذا الصدد . فقال : قرأ النحو والعربية على والده ، وتفقه عليه لأنه كان قاضيا ، ثم بدأ بعد هذا باقتناء الكتب على اختلاف أنواعها وفنونها ، فأصبحت لديه مكتبة عامرة بمختلف التخصصات التي كانت سائدة في عصره .
نشأ العلامة التهانوي في مدينة تهانة أعمال مظفر نكر ، من ضواحي دلهي في الهند ، في أسرة علمية كريمة عريقة في النسب والعلم ، أبا عن جد ، حيث تفيأ منذ نعومة أظفاره الظلال الوارفة لجد ، كما تربى وتعلم في كنف والده الشيخ القاضي محمد حامد .
أما بيئته فكانت حافلة بالعلماء في كل فن من فنون العلم ، ولو استعرضنا ما كُتب عنهم في تراجم علماء القرن الثاني عشر ، وما كُتب في تراجم علماء الهند منذ دخول الإسلام حتى العصر الحاضر ، لتبين لنا الإنجاز الكبير الذي قدمته تلك البلاد للإسلام والمسلمين . وهذا بالتأكيد يشمل من تُرجم لهم ، أو من وصلتنا مؤلفاتهم ، ولا شك أن ما فقدناه من ترجمة لأعلام تلك البلاد ، وإنجازاتهم كثير ، ولو حاولنا إحصاء الكتب التي ذكرتها لنا مصادر الببلوغرافيا لوجدنا جمعاً غفيراً وافراً من الكتب ، التي لم تصل لنا نُسخها التي كُتبت بها ، أو حتى ما نسخه النساخون . إن هؤلاء العلماء تركوا من بعدهم ثروة علمية هائلة من المصنفات في مختلف التخصصات ، مما يصعب حصره ، وهذا كله يؤكد عظمة نشاط الحركة العلمية في تلك البلاد في ذلك العصر .
قال الحسني : إني لم أقف على غير ذلك من أخباره ، غير إن الشيخ أشرف علي التهانوي ذكر لي أن محمد أعلى كان قاضياً في قريه تهانه في عهد السلطان عالمكير ، وقبره بها ، وكان منقوشاً على خاتمه (خادم شرع والقضاء محمد علي) . وروى الحسني : أن من يطالع كتبه عند قبره تُكشف عليه المعاني الدقيقة .
وكما قلنا ولأسباب غير معروفة لم يتمكن العلامة التهانوي من تلقي العلم من شيوخ عصره ، فقد أمضى سنوات عدة من عمره في قراءة هذه الكتب ، واستيعاب ما فيها ، حتى أنه تمكن من استخراج كل المصطلحات من تلك الكتب الكثيرة ، وجمعها في كتاب سماه (كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم) ، رتبه على فن الألفاظ العربية ، ثم الألفاظ الأعجمية .
وقد قضى التهانوي حياته في تهانه بهون ولا نجد أي إشارة عن سفره أو رحلته . إلا ان بينه وبين علماء عصره كانت المراسلة مستمرة ومنهم القاضي ثناء الله باني بتي ، وبحر العلوم العلامة عبد الحي فرنكي ، والشيخ بدر الدين شاه جهان بوري ، والشيخ شاه عبد العزيز الدهلوي رحمهم الله .
لم أجد فيما لدي من المصادر ذكرا لمن أخذ عنه من العلماء ، وهذا لا يعني عدم وجود ذلك ، وكما هو معروف من ورود الآخذين على المدينة لأخذ العلم عن شيوخها .


التهانوي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع