فقه الأولويات في الشريعة الإسلامية
عمر محمد جبه جي | Omar Jabahji
23/08/2019 القراءات: 4243
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد المبعوث هادياً ومعلماً ورحمةً وكافةً للناس أجمعين ، وبعد :
نتناول في هذا المقال موضوعاً مهماً يحتاجه كل داعٍ إلى الله على بصيرة ، وهو موضوع فقه الأولويات
فما المقصود بهذا الفقه ، وما هي الضرورة المحوجة إلى هذا النوع من الفقه ، هذا ما سيتناوله هذا المقال
أولاً : تعريف فقه الأولويات .
هو العلم بالأحكام الشرعية التي لها حق التقديم على غيرها بناء ًعلى العلم بمراتبها وبالواقع الذي يتطلبها.
ففقه الأولويات هم وضع كل شيءٍ في مرتبته بالعدل من الأحكام والقيم والأعمال، ثم يقدم الأولى فالأولى بناءً على معايير شرعية صحيحةٍ يهدي إليها نور الوحي ونور العقل نور على نور، فلا يقدم غير المهم على المهم، ولا المهم على الأهم، ولا المرجوح على الراجح ولا المفضول على الفاضل أو الأفضل، بل يقدم ما حقه التقديم، ويؤخر ما حقه التأخير، ولا يكبر الصغير، ولا يهون الخطير بل يوضع كل شيء في موضعه بالقسطاس المستقيم بلا طغيان ولا إخسار .
ثانياً : واقع الأمة ومدى حاجتها إلى فقه الأولويات .
فقه الأولويات في أمتنا يعاني اختلالاً كبيراً، لذلك تلحظ الاضطراب في تفكير الأمة بارزاً فما يتعلق بالفن والترفيه مقدمٌ على ما يتعلق بالعلم والتعليم، فهاهي المبالغ الهائلة ترصد للرياضة والفن من غير محاسبةٍ، بينما تشكو الجوانب التعليمية والصحية والدينية والخدمات الأساسية من التقتير وادعاء العجز والتقشف، فالاهتمام برياضة الأبدان مقدمٌ على رياضة العقول.
يموت فنانٌ فترج الأرض لموته، ويموت العالم أو الأديب، أو الأستاذ الكبير فلا يكاد يحس به أحدٌ.
من المسلمين من يتبرع ببناء مسجدٍ في بلدٍ حافل بالمساجد، فإذا طالبته ببذل هذا المبلغ أو نصفه في نشر الدعوة أو مقاومة الكفر والإلحاد، أو تأييد العمل الإسلامي لإقامة الشرع وتمكين الدين لـن تجد آذاناً مصغية، لأنهم يؤمنون ببناء الأحجار، ولا يؤمنون ببناء الرجال! .
أعدادٌ وفيرةٌ من الموسرين يحرصون على حضور الحج، وينفقون على ذلك بسخاء، فإذا طالبتهم ببذل هذه النفقات لمحاربة اليهود في فلسطين، أو لمقاومة الغزو التنصيري، أو إنشاء مركز دعوة، أو تجهيز دعاة رفضوا، مع أن جنس أعمال الجهاد مقدم على جنس أعمال الحج.
ثالثاً : فقه الأولويات في واقع حركة الدعوة الإسلامية المعاصرة .
المتأمل في حركة الدعوة الإسلامية المعاصرة يرى الاختلال في سلم الأولويات واضحاً في كل التصرفات والأعمال ، وأنا أذكر أبرز جوانب هذا الإخلال من خلال النقاط التالية :
1. إهمال فروض الكفايات المتعلقة بمجموع الأمة كالتفوق العلمي والصناعي والحربي، الذي يجعل الأمة مالكةً لأمرها وسيادتها، وكالاجتهاد في الفقه واستنباط الأحكام، وكالدعوة إلى الإسلام، وكإقامة الحكم الشوري القائم على البيعة والاختيار الحر.
2. إهمال الفروض العينية وإعطائها دون قيمتها كفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3. الاهتمام ببعض الأركان أكثر من بعض، كالاهتمام بالصوم أكثر من الصلاة، وبالصلاة أكثر من الزكاة.
4. الاهتمام ببعض النوافل أكثر من الفرائض، وتقديم التحسينات على الحاجيات أو الضروريات في مختلف جوانب الحياة لافتقاد المنهجية والتفكير المنهجي العلمي الرصين، كمن يكثر من الأوراد والأذكار ولا يولي الفرائض الاجتماعية كبر الوالدين وصلة الرحم، والإحسان للجار، والرحمة بالضعفاء، ورعاية اليتامى، وإنكار المنكر أي اهتمام.
5. الاهتمام بالعبادات الفردية كالصلاة والذكر أكثر من العبادات الاجتماعية كالجهاد والفقه والإصلاح بين الناس والتعاون على البر والتقوى، والدعوة إلى العدل والشورى ورعاية حقوق الإنسان.
6. الاهتمام بفروع الأعمال والمواضيع الهامشية وإهمال الأصول والقضايا الجوهرية ومن الأمثلة على ذلك: تحريك الأصبع في التشهد وصلاة ركعتين أثناء الخطبة وكيفية النزول إلى السجود، والتركيز على النوافل والأذكار على حساب القضايا الكبرى.
7. اشتغال كثير من الناس بمحاربة المكروهات أو الشبهات أكثر من محاربة المحرمات المنتشرة، كمن يهتم بتحريم التصوير والغناء المنضبط ويترك موبقات السحر والعرافة والنذر للموتى، والاستعانة بالمقبورين وضياع الشورى والحرية وحقوق الشعب وكرامة الإنسان ونهب ثروة الأمة.
(سأل رجل ابن عُمَرَ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. قَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا، يَسْأَلُنِى عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، وَسَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا).
8. العناية بالشكل أكثر من المضمون، والأمثلة على ذلك كثيرة فمن ذلك: الحرص على اللباس العربي وإطالة اللحية وإسبال أو تقصير الثياب بحجة عدم التشبه بالكفار ويدخلون ذلك في باب الولاء والبراء والحقيقة أن التشبه المنهي عنه هو التشبه بالهيئات التي لها خلفيات دينية وعرقية أو مذهبية، ومن الأمثلة أيضاً التغالي في وضع اليمنى على اليسرى بطريقة معينة وإكثار النقاش حول هذه القضايا، وقد نتج عن ذلك ضياع المقاصد والمعاني وفراغ العبادات من روحها ومضامينها فغدت أشكالاً وظواهر لا أثر لها في السلوك،وتوسيع دائرة الخلاف بين المسلمين.
9. الاستغراق بالجزئيات والتفاصيل، والانشغال عن الكليات والعجز عن رد الجزئيات إلى الكليات، والفروع إلى الأصول.
10. انتشار الممارسات الخاطئة نتيجة الخلط بين التهور والشجاعة، والبخل والاقتصاد، وانعدام المساحات الفاصلة بين المفاهيم واضمحلالها.
11. عدم التفريق بين الحق والرجال، والركون إلى معرفة الحق بالرجال بدلاً من معرفة الرجال بالحق.
12. الخلط بين الثوابت والمتغيرات، والارتجال وترك التخطيط الدقيق، والانشغال بالشعارات على حساب المضامين، واستعجال النتائج.
13. سوء تقدير المصالح والمفاسد في بعض الفتاوى للبعد عن واقع الناس.
وفي الختام الموضوع طويل الذيل اكتفيت بالإشارات فقط ففيها كفايةٌ لمستفيد
بحث فكري في فقه الأولويات
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع